منذ ثلاثة أيام والفضاء الأزرق لا حديث له إلا عن ال “نكزة” التي تلقتها رئيسة مجلس جهة كلميم وادنون على عضدها، شمت الكثيرون وسخر آخرون، ولم يصدق البعض أن وجدوا جنازة ليشبعوا فيها لطما وتبخيسا وحتى ضربا في العرض وتنفيسا عن العقد، لكنني شاهدت اللقطة من زاوية مغايرة.
ثبات انفعالي تحسد عليه، ضبط للنفس يثير الإعجاب، امباركة بوعيدة سليلة أسرة عريقة وابنة “خيمة اكبيرة”، وما كانت النكزة إلا امتحانا للصبر واختبارا لحسن الخلق ومناسبة لظهور المعدن النفيس، غيرها كان لينفعل ويزبد ويرعد وربما أعاد النكزة بأقوى منها، لكن ابنة “الخيمة لكبيرة”، الدبلوماسية المحنكة، احترمت السن ووقرت الشيب والمكانة الإعتبارية، فلملمت الهفوة بسرعة ولم تعطها أكبر من حجمها.
وعلى عكس الأغلبية، النكزة التي أظهرها المقطع المصور لم تشعرني بتعرض “امباركة بوعيدة” للمهانة، بل أجبرتني على الإعجاب أكثر برقيها و دبلوماسيتها وسرعة البديهة لديها، وأكثر ما يعجبني في “أولاد الخيام لكبارات” احترامهم لكبار السن.
التقيت هذه الشابة مرتين، وفي كلتيهما كانت هي وسط حشد كبير وطبعي أنا لا يحب الزحام، لذلك راقبتها واستمعت إليها من بعيد.. شخصية فريدة و عبقرية فذة، امرأة متعودة على التواصل الراقي والمهذب، توزع ابتسامتها المحسوبة الأبعاد على الجميع بسخاء، حركاتها مدروسة و لبقة وفي منتهى الكياسة، أما حديثها فيسمح لك بالتجول في عقل متنور، فاخر ومريح..
منذ نعومة أظافري وأنا دائمة الانحياز للفخامة والنبل والخيمة الكبيرة، وأكثر ما يظهر معدن الإنسان الحقيقي هي تلك المواقف الطارئة والاختبارات والنوازل الخاطفة، عندما يصدم العقل ويدخل في حالة ذهول وتتحرك السجية وفق ما وقر في العقل الباطن وما حفر في الصغر، فهنيئا ل”امباركة بوعيدة” على ضبط النفس!.
أما عما كان يروج من تنمر على مظهرها ولا يزال، و التندر على الشكل سلعة المفلسين والجهلة والمتخلفين، ولو جمعتهم الدراسة مع عبقريات لعرفوا، كما عرفنا، كيف يركز هذا الصنف من المتفوقات على الدراسة والتحصيل أكثر من حرصه على المظاهر والقشور..
السيدة عملية جدا، متعودة على الكد والاجتهاد و الدراسات العليا والمعمقة والملابس الرسمية، لم يكن لديها وقت لتنسق الأزياء وتتعلم كيف تمشي على أطراف أصابع قدميها، كانت مشغولة بالأهم، بما من شأنه أن يرفع رأس الوطن ورأس عائلتها عاليا، وإن لبست “الملحفة” ارتدتها بشكل يجعلها عملية ومريحة بالنسبة لها.. عادي جدا.
الوزيرة السابقة المنتدبة لدى وزير الخارجية والتعاون، ورئيسة مجلس جهة كلميم وادنون، لا تحتاج لمن يرد عنها هجمات ساكنة الفضاء الأزرق، ولا لمن يتعاطف و يربت على ظهرها بمقال، فعقليتها الفذة لا تحتطب الثناء، وشخصيتها القوية لا تنتظر الإطراء، فهي تكتسح المحافل والمؤتمرات وتجبر الجميع على احترامها..
امباركة بوعيدة، امرأة مثقفة راكمت تجربة سياسية وحزبية كبيرة، صاحبة تفكير استباقي مستقبلي، مدركة لخطورة منصبها، واعية بما يتربص بها، متنبهة لحجم التحديات ومستعدة للارتجال في الظروف والمواقف الصعبة والأزمات..سيدة بهذه المواصفات لن تؤثر عليها أو تتأثر بنكزة عابرة.