لم يكن اجتماع الاستعراض الإقليمي الثاني للميثاق العالمي حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية ليمر دون تأكيد مسؤولين أفارقة ومغاربة على أهمية الإجراءات التي قام بها الملك محمد السادس لكسب تحدي الهجرة بالقارة الإفريقية، إذ أشادت مفوضة الاتحاد الإفريقي للصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية، ميناتا ساماتي، في كلمة لها خلال افتتاحها لهذه التظاهرة “بالعمل الذي أنجزه الملك محمد السادس، رائد الاتحاد الإفريقي في قضايا الهجرة”، مؤكدة في هذا الجانب أهمية المرصد الإفريقي للهجرة، الذي تم إحداثه باقتراح من الملك ويتخذ من العاصمة الرباط مقرًا له.
وخلال الاجتماع، يوم الأربعاء الماضي في أديس أبابا، لم تفوّت الكاتبة العامة لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وفاء عصري، المناسبة دون التذكير بكون إنشاء المرصد من التدابير الرئيسية التي جاءت بها الأجندة الإفريقية للهجرة كنتيجة “لإطلاق الملك محمد السادس، بصفته قائدًا للاتحاد الإفريقي في قضية الهجرة، عملية تفكير طموحة حول رهانات الهجرة وآثارها”.
ويرى باحثون في مجال الهجرة أن “تجدد الإشادة بإحداث المرصد الإفريقي للهجرة، بمبادرة ملكية، مرة أخرى، راجع إلى إدراك المسؤولين الإقليميين لأهمية هذا المرصد في توفير سردية إفريقية للهجرة بالقارة السمراء، بعيدًا عن السردية الأوروبية، التي لا تخلو من نظرة استعلائية واستعمارية مستندة إلى بيانات ومعطيات وتقارير تفتقد الدقة والموضوعية، فضلًا عن كونه رهان المغرب من خلال خلق تحالف إفريقي للهجرة لتقوية وتوحيد الموقف تجاه السياسات الأوروبية في مجال الهجرة”.
ولفت الباحثون، الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية، الانتباه إلى أن “تحقيق الرهانات الملكية وبلوغ الأهداف التي أُحدث من أجلها المرصد لن يتم دون التفعيل الكامل له”، مُبرزين أن “هذا التفعيل يتطلب من كافة الدول الإفريقية إحداث مراصد وطنية للهجرة لمساعدة المرصد على الحصول على المعطيات والبيانات الخاصة بالظاهرة في كل دولة على حدة، وكذا نبذ بعض هذه الدول للحسابات السياسية التي تدفعها إلى عدم الاهتمام بهذا الموضوع”.
ضرورة ملحة
ذكّر عبد الكريم بلكندوز، أستاذ جامعي وباحث في شؤون الهجرة، بأن “الملك محمد السادس استحق تسميته برائد الاتحاد الإفريقي للهجرة نتيجة حرصه على المقاربة الإنسانية والاستباقية لهذه الظاهرة، والذي تجلى من خلال العمليتين الاستثنائيتين اللتين نظمهما المغرب في 2014 و2016، بتعليماته، لتسوية أوضاع 50 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء”، مبرزًا أن “هذه الريادة تجلت من خلال تبني الاتحاد الإفريقي الأجندة الإفريقية للهجرة، الذي كان من ثماره افتتاح المرصد الإفريقي للهجرة بصفته أحد المقترحات الرئيسية الواردة في الأجندة”.
وأوضح بلكندوز، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “اقتراح الملك محمد السادس إحداث هذا المرصد راجع إلى وعيه باستحالة الإحاطة بظاهرة الهجرة في إفريقيا، وتمكن دول القارة من بلورة رؤية واضحة لكيفية التعامل مع تحدياتها، في ظل غياب بيانات ومعطيات دقيقة وحقيقية وتقارير موضوعية بشأنها”، مُشيرا إلى أن “فلسفة المرصد تروم إبراز السردية الإفريقية في مجال الهجرة بالقارة السمراء، بعيدًا عن سردية الأوروبيين التي لا تخلو من تحيز واستعلائية وحس استعماري، يتمثل في توظيفهم مصطلحات “الغزو البشري” و”الفيضان البشري” في وصف هجرة الأفارقة صوب القارة العجوز”.
وأضاف الباحث في مجال الهجرة أن “المغرب لم يدخر جهدًا في توفير ظروف مباشرة المرصد لمهامه، إذ عجل بتسريع مختلف الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لإيجاد وعائه العقاري وتهيئة مقره بالعاصمة الرباط”، غير أنه “مع ذلك ما زال المرصد غير ناشط حتى الآن، ولا يلبي الأهداف التي خلق من أجلها، إذ لم نصادف إلى حدود اللحظة أي دراسة أو بحث أو منشور له، ولا نجد حتى متدخلين يمثلونه في الندوات والمؤتمرات المرتبطة بالهجرة في الرباط على الأقل”.
وبخصوص “إمكانية قيام المرصد بدراسات وأبحاث غير منشورة للعموم”، قال بلكندوز إن “سرية التقارير والدراسات أمر يُعمل به في عدد من المراكز والأكاديميات والمؤسسات، لكن يكون هناك سقف لسرية هذه المنشورات، إذ تتم إتاحتها في وقت لاحق للباحثين ووسائل الإعلام”، مُردفًا أن “سرية المنشورات لا تخدم ضمان أداء المرصد لمهامه وتأديته للأهداف التي خلق لأجلها”.
وفيما يتعلق بالتفسيرات المحتملة لعدم التشغيل الكامل للمرصد، أبرز الخبير في مجال الهجرة أن “أداء المرصد لمهامه في نهاية المطاف يحتاج توفير ميزانية مهمة وتوظيف باحثين ممثلين لمختلف مناطق القارة الإفريقية من طرف مفوضية الاتحاد الإفريقي، وهنا نستحضر أن البيروقراطية الإدارية لا تساهم في تيسير هذه الأمور”، مشيرا إلى أن “عدم توفر عدد من الدول الإفريقية على مراصد وطنية للهجرة مُفعلة، وضمنها المغرب، يمكن أن يكون عاملًا مفسرًا في هذا الإطار، بالنظر إلى أن المرصد الإفريقي يعتمد على هذه المراصد للتزود بصفة منتظمة بالمعطيات والبيانات الدقيقة حول الهجرة الخاصة بكل دولة إفريقية على حدة”.
حسابات سياسية
خالد مونة، الخبير في الهجرة، أكد بدايةً أن “المغرب راهن، ولا يزال، من خلال خلق هذا المرصد، على إنشاء تكتل إفريقي لمقاربة قضايا الهجرة بالقارة، أسوة بالدول الأوروبية، التي تتبنى رؤية واضحة وخطوات موحدة في هذا المجال”، مُسجلًا أن “عدم التشغيل الكامل لهذا المرصد يُفسر بكون الهجرة غير حاضرة على رأس أولويات العديد من الدول الإفريقية، التي ترى في هجرة شبابها سبيلًا للحفاظ على أنظمتها السياسية في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تجعلها دائمًا مهددة”.
وأوضح مونة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التأخر في التشغيل الكامل لهذا المرصد ناتج عن غياب توافق سياسي بين الدول الإفريقية حول ملف الهجرة، وهو ما يُبقيها غير قادرة على مواجهة السياسات الأوروبية التي ما زالت تتجه نحو تغليب المقاربة الأمنية في هذا الملف”، لافتا الانتباه إلى أن “اهتمام الدول الإفريقية بمقاربة ملف الهجرة بشكل موحد يقتضي، بشكل رئيس، أن 75 في المائة من هجرة الأفارقة تتم بين بلدان القارة السمراء، بينما 25 في المائة فقط تتم صوب الدول الأوروبية”.
ودعا الخبير في مجال الهجرة الدول الإفريقية إلى “مُشاطرة المغرب الاهتمام بالتكتل وتوحيد الجهود للتغلب على تحدي الهجرة، سواء داخل القارة أو إلى الدول الأوروبية، من خلال الاستجابة للدعوات السابقة التي أُطلقت سابقًا من أجل التشغيل الكامل للمرصد الإفريقي للهجرة عوض تغليب الحسابات السياسية على مصالح شعوب القارة الإفريقية”.
جدير بالذكر أن الاستعراض الإقليمي الثاني للميثاق العالمي حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي انطلقت أشغاله الأربعاء 9 أكتوبر الجاري، يهدف إلى “إتاحة الفرصة لممثلي الحكومات وأصحاب المصلحة من البلدان الإفريقية الـ 54 لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ الميثاق العالمي حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية منذ اعتماده عام 2018”.