كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج)، اليوم الخميس، عن معطيات تفصيلية تخص خلية “الأشقاء الثلاثة” بحد السوالم.
في ندوة صحفية مثيرة، كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية عن آخر التطورات حول الخلية الإرهابية الخطيرة التي جرى تفكيكها صباح الأحد الماضي.
وسلط المكتب الضوء على مستجدات البحث، ضمن الحدود التي يجيزها القانون، ودون الإخلال بسرية البحث المكفولة قانونا من جهة ثانية.
وأكد حبوب الشرقاوي، مدير (البسيج)، أنه يوم الأحد 26 يناير الجاري، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، على ضوء معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من إحباط مخطط إرهابي خطير بمنطقة حد السوالم، كان في مرحلة التحضير للتنفيذ المادي لعمليات إرهابية وشيكة باستخدام مواد متفجرة، وباستعمال كذلك أساليب وتقنيات الإرهاب الفردي.
وحسب نتائج التحريات المتوصل إليها إلى غاية هذه المرحلة من البحث، فإن عناصر هذه الخلية الإرهابية وهم أربعة متطرفين، من ضمنهم ثلاثة أشقاء، كانوا قد وثقوا “بيعتهم” المزعومة لتنظيم داعش في تسجيل فيديو، كما وثقوا أيضا -وبشكل مسبق-“إعلان مسؤوليتهم” عن المخططات الإرهابية التي كانوا يعتزمون تنفيذها في المستقبل القريب، وذلك على أساس نشر “إعلان تبني المسؤولية” مباشرة بعد التنفيذ المادي لتلك المشاريع الإرهابية.
ومن هنا فإن هذه الخلية المتطرفة كانت قد بلغت مرحلة متقدمة من التحضير والإعداد لتنفيذ مخططاتها الإرهابية، خصوصا وأن عناصر هذه الخلية قاموا بتصوير العديد من الأهداف المحتملة، كما قاموا أيضا برسم تصاميم تقريبية للمسالك والمسارات المؤدية لبعض تلك الأهداف، وممرات الهروب المرتقبة، والتي كان يعتزمون الاسترشاد بها خلال عمليات التنفيذ ومحاولة الهروب من مكان التفجير.
وتم عرض خلال الندوة أهم المعطيات المرتبطة بهذه الخلية الإرهابية، التي يمكن تسميتها تجاوزا بخلية “الأشقاء الثلاثة”، مع إبراز تقاطعاتها مع التنظيمات الإرهابية في المحيط الإقليمي، لا سيما في منطقة الساحل، وذلك على الشكل التالي:
أولا: السمات الأساسية لعناصر هذه الخلية الإرهابية.
وبلغ عدد الموقوفين في هذه الخلية الإرهابية، إلى غاية هذه المرحلة من البحث، أربعة مشتبه فيهم، وهم على التوالي ثلاثة أشقاء وشخص رابع، ويبلغون من العمر 26 و30 و31 و35 سنة.
وبخصوص بروفايل الأشخاص الموقوفين، فإنهم يتشاركون في معطى أساسي وهو تدني مستواهم الدراسي، الذي لا يتجاوز المستوى السادس ابتدائي بالنسبة للأشقاء الثلاثة، بينما تابع المشتبه فيه الرابع دراسته الثانوية إلى حدود مستوى الباكالوريا.
أما بالنسبة للوضعية الاجتماعية لعناصر هذه الخلية الإرهابية، فاثنين منهم فقط متزوجان ولهم أبناء، بينما تتشابه وضعياتهم المهنية في مزاولتهم لمهن وحرف متواضعة وعرضية، باستثناء شخص واحد انقطع مؤخرا عن مزاولة أي نشاط مدر للربح.
ثانيا: الاستقطاب الأسري كرافد للتجنيد والتطرف.
خطورة هذه الخلية المتطرفة لا تَكمُن فقط في المشاريع الإرهابية التي كانت تعتزم تنفيذها، ولا في المستوى المتقدم من التخطيط والاستعداد الذي بلغه أعضاؤها في مخططهم الإرهابي، وإنما تَكمُن الخطورة في تنامي “الاستقطاب الأسري” كرافد جارف للتطرف والتجنيد في صفوف المرشحين للقيام بعمليات إرهابية.
فقد كشفت خلية “الأشقاء الثلاثة” عن تصاعد تهديد ناشئ، يُنذر بتحديات أمنية واجتماعية خطيرة، يتمثل في خطر انزلاق أسر بأكملها في شراك التطرف الفكري، وتشكيل جيوب مقاومة للأعراف والتقاليد المغربية ووحدة المجتمع والمذهب والعقيدة، وذلك بسبب التأثير الذي قد يمارسه بعض أفراد الأسرة الحاملين للفكر المتطرف على محيطهم الأسري والاجتماعي.
واستطاع الأمير المزعوم لهذه الخلية الإرهابية، وهو الشقيق الأكبر، تحويل أسرته الصغيرة كحاضنة للتطرف والتجنيد والاستقطاب لفائدة مشروعه الإرهابي، مستغلا في ذلك سلطته المعنوية وقدرته على التأثير السلبي في محيطه المجتمعي القريب.
وبالرغم من أن الأسرة المغربية شكلت دائما حصنا منيعا ضد الأفكار المتطرفة، ودعامة قوية للتسامح والتعايش والاعتدال، إلا أن التحقيقات المرتبطة بقضايا الإرهاب سمحت برصد بعض نزعات هذا “الاستقطاب الأسري” كآلية للتجنيد والتطرف السريع.
ومن ضمن هذه القضايا، تم ذكر على سبيل المثال لا الحصر، “الخلية النسائية” التي تم تفكيكها بتاريخ 3 أكتوبر 2016، والتي تبين بأن جل أعضائها كانوا قد تشبعوا بالفكر “الداعشي” عن طريق التأثر بالوسط العائلي، بحكم أن معظمهن كان لهن أقارب ينشطون في صفوف “داعش”، أو أنهن سليلات عائلات سبق لأفرادها أن أدينوا، على مراحل متفرقة، في قضايا الإرهاب والتطرف.
وتتزايد خطورة هذا التهديد، بأن التنظيمات الإرهابية العالمية، خاصة تنظيم داعش، تسعى جاهدة لاستغلال “الاستقطاب الأسري” لخدمة مشاريعها التخريبية التي تستهدف المساس بأمن واستقرار بلادنا، من خلال الدفع بمقاتليها في بؤر التوتر إلى تجنيد أقربائهم وأشقائهم من أجل الانخراط في إعمال إرهابية، وذلك على غرار زعيم الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها بتاريخ 11 دجنبر 2015 والتي عرفت وقتها بخلية “الدولة الاسلامية في بلاد المغرب الإسلامي” .
ثالثا: التجنيد المعلوماتي والارتباط العضوي بتنظيم داعش.
وتشير الأبحاث الأمنية المنجزة بأن أعضاء هذه الخلية الإرهابية كان لهم ارتباط عضوي بأحد القياديين في تنظيم داعش بمنطقة الساحل، وهو الذي اضطلع بدور مهم في تسريع عملية التجنيد والاستقطاب وتلقين الأفكار الإرهابية، من خلال الإصدارات والمحتويات الرقمية المتطرفة التي كان يرسلها لأعضاء هذه الخلية، بغرض تحويلهم إلى”أشخاص منذورين للموت” يمكن الدفع بهم بسرعة لتنفيذ عمليات إرهابية.
وقد ساهمت الدعاية السيبرانية التي انخرط فيها تنظيم داعش في تسريع وتيرة ومنسوب التطرف لدى خلية “الأشقاء الثلاثة”، كما كان لها دور خطير في إعدادهم وتحضيرهم لارتكاب مخططات الإرهاب الفردي على طريقة تنظيم داعش، خصوصا تنفيذ عمليات محتملة للقتل والتمثيل بالجثث باستخدام أساليب التعذيب، علاوة على المراهنة على عمليات التفجير لإحداث أكبر خسائر ممكنة في الأرواح والممتلكات.
وقد كشفت هذه الخلية، مرة أخرى، مدى اعتماد التنظيمات المتطرفة على إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات وتقنيات التواصل الحديثة لخدمة المشاريع الإرهابية. وبلغة الأرقام، فقد تمكنت المصالح الأمنية منذ سنة 2016 من توقيف أكثر من 600 متطرف من رواد المنصات التواصلية، ممن كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية على نمط “الذئاب المنفردة”، الذي يشجع عليه تنظيم “داعش” في إطار ما يسميه بإدامة واستدامة “حرب الاستنزاف”.
وقد لاحظت المصالح الأمنية مؤخرا أن عناصر الخلايا الإرهابية المفككة كانوا يستخدمون الشبكات التواصلية لإنشاء تجمعات افتراضية، بغية توحيد توجهاتهم العقائدية وتبادل خبراتهم، بما في ذلك تصنيع العبوات الناسفة والسموم، وتوسيع دائرة الدعاية الإرهابية وانتشار التطرف السريع في صفوف فئة القاصرين والشباب، حيث أن غالبيتهم كانوا يعبرون عن استعدادهم لارتكاب أعمال إرهابية بمجرد تلقيهم لتدريب افتراضي بسيط.
وأضحى التطرف السيبراني في أوساط القاصرين (ما بين 14 و17 سنة)، أضحى يشكل بدوره مصدر تهديد متنامي، بسبب سعي التنظيمات الإرهابية إلى استغلال حداثة سن هذه الفئة العمرية التي يكون لها ارتباط وثيق بشبكات التواصل الاجتماعي، وطبائعها السلوكية المرتبطة بالرغبة في المغامرة والمجازفة، من أجل الزج بهم في عمليات إرهابية.
ومما يزيد من خطورة هذا التهديد كذلك هو ارتفاع عدد القاصرين المنحدرين من أسر مغربية المعتقلين حاليا ببعض بؤر التوتر لاسيما بالشمال الشرقي لسوريا (382 طفلاً، منهم أكثر من 50 قاصراً ممن رافقوا ذويهم إلى سوريا بين عامي 2013 و2015، في سن السابعة أو التاسعة، وقد بلغوا الآن سن الرشد). فالعديد من هؤلاء خضعوا لتداريب قتالية ووجهوا تهديدات ضد بلادنا، كما هو الحال بالنسبة للقاصر ابن المقاتل إبراهيم الحلي، الذي شارك في سنة 2015 في مسابقة للفئات اليافعة من مختلف الجنسيات المنضوية تحت ما يسمى ب”أشبال الخلافة”، وكانت جائزته على تفوقه، هي القيام بإعدام جندي سوري أسير بواسطة مسدس أطلق منه رصاصتين بكل برودة على رأس هذا الأخير.
رابعا: خلية الأشقاء الثلاثة وامتداداتها في منطقة الساحل.
وكشفت الأبحاث المنجزة مع عناصر خلية “الأشقاء الثلاثة” أنهم كانوا يرغبون في الالتحاق بمعسكرات تنظيم داعش بمنطقة الساحل فور الانتهاء من تنفيذ مشروعهم الإرهابي، بل إن الشقيق الأكبر كان يعتزم نقل أبناءه الخمسة معه إلى هذه المنطقة، وهو ما يكشف بجلاء بأن التنظيمات الإرهابية في مختلف بؤر التوتر أصبحت تراهن على توفير “ظروف الإعاشة والإيواء” لجذب واستمالة المقاتلين وعائلاتهم من مختلف دول العالم.
أيضا، أصبحت منطقة الساحل تشكل مصدر تهديد حقيقي بالنسبة للمملكة المغربية، بالنظر إلى بروزها كعلامة مشتركة بين أغلب المتطرفين الذين تم اعتقالهم منذ 2022، حيث إن معظمهم خَطّط للقيام بمشاريع إرهابية بالمغرب قبل الالتحاق بهذه المنطقة، كما أن قياديين بارزين في تنظيم داعش بمنطقة الساحل كانوا ينهضون بمهمة التوجيه والتأطير عن بعد لصالح الخلايا المحلية، مثلما هو الشأن بالنسبة لخلية حد السوالم الأخيرة.
وزيادة في التوضيح، تشير المعطيات الإحصائية بأن السلطات المغربية فككت أزيد من 40 خلية إرهابية على علاقة وطيدة بفروع القاعدة أو “داعش” بالساحل الإفريقي، كما أنها رصدت منذ نهاية سنة 2022 مغادرة 130 من المتطرفين المغاربة إلى ساحات “الجهاد” الإفريقية في الصومال والساحل، وهو ما يكشف بوضوح حجم التهديدات المرتبطة بهذه المنطقة على الأمن والاستقرار في المحيط الإقليمي.
وكدليل على حجم هذه التحديات، تم تأكيد خلال الندوة أن العديد من المقاتلين المغاربة الذين انخرطوا في صفوف “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”جماعة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”داعش”، كانوا يسعون إلى توسيع نشاط جماعاتهم داخل المملكة المغربية، بل إن العديد منهم أسندت لهم مهام قيادية، والبعض الآخر تورط في عمليات إرهابية خطيرة، مثلما هو الحال بالنسبة للهجوم الذي شنّه فرع “داعش” بالصومال على ثكنة عسكرية للقوات الصومالية بمنطقة بونتلاند بتاريخ 31 دجنبر 2024، والذي عرف مشاركة مغربيين كانتحاريين في عملية التنفيذ.
وتم التذكير بأن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني كانت سباقة، منذ مدة، لتحذير المنتظم الدولي بالاهتمام المتزايد لتنظيم القاعدة بمنطقة الساحل الافريقي، والتنبيه كذلك إلى أن هذه المنطقة ستتحول إلى قطب جهوي للتنظيمات الإرهابية الدولية.
خامسا: الأهداف المعلنة لخلية الأشقاء الثلاثة بمنطقة حد السوالم.
وكشفت العمليات الميدانية والأبحاث الأمنية المنجزة، بأن عناصر هذه الخلية الإرهابية الأخيرة كانوا يحضرون للقيام بعمليات تفجيرية تستهدف مقرات أمنية حساسة، فضلا عن أحد الأسواق الممتازة، ومحلات عمومية تستقبل الزبائن والأجانب.
ولهذا الغرض، انخرطوا في عملية سرية لتصوير هذه المقرات من زوايا مختلفة، وتحديد منافذ ولوجها، كما قاموا بوضع رسوم تقريبية للمسارات والمسالك المؤدية لها.
ومن الناحية اللوجيستيكية، قام أعضاء هذه الشبكة باقتناء مواد كيميائية ومعدات للتلحيم، وسلع ثنائية الاستخدام، يمكن تسخيرها لصناعة المتفجرات، كما راهنوا على تنويع محلات العقاقير بغرض التضليل وعدة إثارة الانتباه.
وبخصوص أسلوب الإرهاب الفردي، وتكتيكات الذئاب المنفردة، فقد حرص عناصر هذه الخلية الإرهابية على توفير العديد من الأسلحة البيضاء، من أحجام كبيرة، بغرض تسخيرها في عمليات التصفية الجسدية والتمثيل بالجثث، خاصة وأنهم كانوا يتوصلون بأشرطة من قياديي تنظيم داعش بمنطقة الساحل، توثق لعمليات الإعدام خارج إطار القانون باستخدام التعذيب وقطع الرأس وغيرها من الأعمال البشعة، بغرض الاسترشاد بها في عملياتهم المرتقبة.