تصاعدت وتيرة النقاش حول التعديلات المقترحة لتغيير مدونة الأسرة في المغرب، مما أطلق موجة من الجدل المتباين بين مختلف فئات المجتمع.
في قلب هذا النقاش، تظهر تحديات متشابكة بين دعاة التحديث والإنصاف وبين المدافعين عن التقاليد وقيم الأسرة.
وتأتي هذه التحولات في سياق رؤية شاملة لإصلاح النظام القانوني والاجتماعي في المملكة، حيث يرى البعض أن هذه التعديلات تعكس خطوة نحو المساواة والعدالة، بينما يعتبرها آخرون تهديدًا لتماسك الأسرة المغربية.
خلال ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية، أكدت البرلمانية فاطمة التامني أن التعديلات المطروحة ليست قوانين نهائية، بل مجرد مبادئ عامة قابلة للنقاش.
وأوضحت أن أي قراءة لهذه التعديلات ينبغي أن تنطلق من رؤية علمية وموضوعية بعيدًا عن الانطباعات الذاتية.
كما سلطت الضوء على قضايا حساسة مثل تزويج القاصرات ومعاناة النساء في المناطق القروية، داعية إلى مواجهة الأسباب الهيكلية التي تعيد إنتاج الفقر والهشاشة.
من جهة أخرى، أثيرت قضية التعدد باعتبارها أحد أكثر النقاط إثارة للجدل.
وترى التامني أن الشروط المرتبطة به ما تزال محتشمة ولا ترقى إلى طموحات الحركة النسائية والأحزاب التقدمية.
وشددت على أن التعدد يسيء لكرامة المرأة، داعية إلى اجتثاث هذه الظاهرة بشكل جذري، وليس الاكتفاء بوضع قيود بسيطة عليها.
كما تناولت قضية العزوف عن الزواج، مشيرة إلى أن البطالة والأوضاع الاقتصادية هي عوامل أساسية وراء تراجع نسب الزواج، وليس فقط مسألة التعدد.
وأثارت التعديلات المقترحة أثارت أيضًا نقاشًا حول حقوق الطفل والنسب.
وترى التامني أن الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج يجب أن تُحترم كرامتهم القانونية والاجتماعية، مؤكدة أهمية اعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب.
وانتقدت الانتقائية في قبول التقدم العلمي، حيث يتم رفضه في بعض القضايا الاجتماعية بينما يتم الاستفادة منه في مجالات أخرى.
وفي مداخلة لرئيس المجلس العلمي المحلي لحسن السكنفل، أكد أن مراجعة مدونة الأسرة تأتي كجزء من جهود لتحديث القوانين بما يتناسب مع التحديات المعاصرة.
ودعا إلى تجنب التسييس أو التوجيه الأيديولوجي للنقاش، مشيرًا إلى أن القوانين هي اجتهادات إنسانية قابلة للتغيير والتطوير مع مرور الزمن.
وشدد السكنفل بحزم على ضرورة أن تكون الصياغة القانونية والشرعية للتعديلات دقيقة ومبنية على أسس متينة، مشيرًا إلى أن بعض التعديلات المقترحة لا تهدف إلى منع القسمة بقدر ما تسعى إلى إيقاف الضرر الذي قد ينجم عنها.
وفي كلمته، أبرز السكنفل أن هذه التعديلات تهدف إلى معالجة القضايا العالقة دون التأثير على النظام القانوني العام، مُشددًا على أن الإصلاحات المقترحة ليست مجرد تعديلات سطحية، بل هي خطوة محورية لمعالجة الاختلالات المعقدة التي تستدعي تدخلًا حاسمًا من أجل ضمان استقرار المجتمع وحماية حقوق الأفراد.
من جانبه، أوضح الباحث محمد عبد الوهاب رفيقي أن التعديلات لم تخرج عن الإطار الفقهي الإسلامي، بل جاءت لمعالجة الاختلالات القائمة.
وأشار إلى أن تقييد التعدد ليس جديدًا، وإنما بدأ مع تعديل المدونة في 2004.
كما رحب بالتعديلات التي تسعى إلى تقليص الاستثناءات المرتبطة بزواج القاصرات، معتبرًا أن هذه الخطوة تعكس نضجًا قانونيًا يواكب احتياجات المجتمع.
إحدى النقاط المثيرة الأخرى في النقاش تمثلت في تدبير أموال الأسرة والعمل المنزلي.
وأكد رفيقي أن هذه المسائل لا تخرج عن المنظومة الفقهية، موضحًا أن العمل المنزلي يجب أن يُعترف به كجزء من مساهمة الزوجة في بناء الثروة المشتركة.
كما أشار إلى أهمية إلغاء إسقاط الحضانة عن الأم بعد زواجها، وهو ما ينسجم مع مقاصد الشريعة التي تضع مصلحة الطفل أولًا.
الجدل حول مدونة الأسرة يعكس أكثر من مجرد نقاش قانوني؛ فهو يعبر عن صراع عميق بين تيارات الحداثة والمحافظة في المجتمع المغربي.
وبينما يتفق الجميع على ضرورة الإصلاح، يبقى التحدي في تحقيق التوازن بين القيم التقليدية ومتطلبات العدالة الاجتماعية.