في خطوة تترجم تطورًا ملحوظًا في التشريعات المرتبطة بحقوق الأسرة بالمغرب، أكدت بشرى عبدو، رئيسة جمعية تحدي للمساواة والمواطنة، أهمية التعديلات الجديدة على مدونة الأسرة، التي جاءت استجابة لمطالب نسائية طالما دافعت عن حقوق المرأة.
هذه التعديلات، التي أثارت حماس البعض وجدلاً لدى البعض الآخر، تمثل خطوة جريئة نحو تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والكرامة للأسرة المغربية.
ومن بين النقاط المثيرة للجدل في هذه التعديلات، التصور الجديد لحقوق الأم الحاضنة وتقسيم الممتلكات بين الزوجين.
كما أُعطي الاعتراف للعمل المنزلي كعمل ذو قيمة إنتاجية، وهي خطوة غير مسبوقة تعكس تقديرًا للدور الذي تلعبه النساء في المنزل.
أما القانون الذي ينص على أن بيت الزوجية لا يدخل ضمن التركة، فقد أثار إعجاب الكثيرين لما يضمنه من كرامة للأطراف في حال وفاة أحد الزوجين.
وفي سياق الحديث عن طلاق الشقاق والطلاق الاتفاقي، أشارت بشرى عبدو خلال استضافتها في برنامج إذاعي إلى أن التعديلات الجديدة قد حسمت في تقليص أنواع الطلاق العديدة، وجعلت من إجراءاته أكثر سهولة، وهو ما يمكن أن يخفف العبء النفسي والاجتماعي على الأسر المتضررة.
كما سلطت الضوء على تعديلات الهبة التي لم تُلغِ التعصيب كليًا، لكنها أتاحت للبنات الاستفادة بشكل أكثر عدالة من إرث الوالدين، وهي نقطة تُعدّ إنجازًا نسبيًا.
غير أن النقطة الأكثر إثارة للجدل كانت المتعلقة بالخبرة الجينية (ADN) لإثبات النسب، حيث أكدت رئيسة جمعية تحدي للمساواة والمواطنة أنه كان من الممكن أن يُستثمر هذا التطور العلمي في دعم الأطفال الذين يعانون من الإقصاء والنبذ الاجتماعي.
وأعربت عن أملها في أن يعيد المجلس العلمي الأعلى النظر في هذا الملف الحيوي الذي يمس كرامة الطفل وأمنه الاجتماعي.
وفي سياق متصل، انتقدت بشرى عبدو التمسك ببعض النصوص المتعلقة بالتعصيب، مشيرة إلى أن التعديلات لم تذهب بعيدًا في معالجة هذه النقطة بشكل جذري، خاصة في ظل المطالب الداعية إلى إلغائه تمامًا.
كما أشارت إلى تعقيدات مسطرة التوارث بين المسلم وغير المسلم، ودعت إلى تبسيط هذه الإجراءات لضمان حقوق الجميع دون قيود معقدة.
وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد أكد يوم أمس الثلاثاء، خلال لقاء تواصلي بالرباط ، الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة، بعد اكتمال مسار الاستشارات الواسعة التي أشرفت عليها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وفي أعقاب إبداء المجلس العلمي الأعلى لرأيه الشرعي، بخصوص بعض مقترحات الهيئة المرتبطة بنصوص دينية قطعية.
وبهذه المناسبة، أوضح وهبي أن هذا اللقاء التواصلي يأتي في سياق التعليمات الملكية السامية، وحرص جلالته، أعزه الله، على مواصلة التعامل بشفافية مع مسلسل مراجعة مدونة الأسرة، وضمان تواصل أوسع بشأنه.
ومن بين ما تم اعتماده، تأسيسا على مقترحات الهيئة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، أشار الوزير، على الخصوص، إلى ما يلي:
أولا– إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، وتعزيز ضمانات زواج الشخص في وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج؛
ثانيا– إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك؛
ثالثا– تحديد أهلية الزواج بالنسبة للفَتى والفَتاة في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة “الاستثناء”؛
رابعا– إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط؛
وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن “المبرر الموضوعي الاستثنائي” للتعدد، سيُصبح محصورا في: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية؛
خامسا– إحداث هيئة، غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مَهَمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار؛
سادسا– جعْل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، وتحديد أجل ستة (6) أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق؛
سابعا– تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية؛
ثامنا– اعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة؛
تاسعا– اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به؛
عاشرا – عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها؛
حادي عشر– وضع معايير مرجعية وقيمية تُراعى في تقدير النفقة، وكذا آليات إجرائية تساهم في تسريع وتيرة تبليغ وتنفيذ أحكامها؛
ثاني عشر– جعل “النيابة القانونية” مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها. وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، في ضوء معايير وغايات يحددها القانون؛
ثالث عشر– تحديد الإجراءات القانونية التي يتعين على المحكمة سلْكها من أجل ترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على التصرفات التي يُجريها وليه أو وصيه أو المقدم عليه؛
رابع عشر– حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون؛
خامس عشر– تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع “إرث البنات”، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية؛
سادس عشر – فتح إمكانية الوصية والهبة أمام الزوجين، في حال اختلاف الدين؛
ورغم هذه الإنجازات، ترى الحركة النسائية أن النضال لم ينتهِ بعد، حيث ما زالت المطالب تراوح مكانها لتحقيق قانون عادل مبني على المساواة الحقيقية بين الجنسين.
وبينما تتباين الآراء حول هذه التعديلات، يبقى النقاش مفتوحًا، في انتظار أن تُترجم النصوص الجديدة إلى تغيير حقيقي يلامس حياة الأسر المغربية على أرض الواقع.