وسط جدل متصاعد حول التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة المغربية، برزت دعوات برلمانية وحزبية تطالب بضرورة مواجهة التأويلات المغرضة والشعبوية التي طالت هذا الملف.
خلال لقاء نظمته الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي بمدينة مراكش، الأحد، أطلق عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، سهام النقد نحو الحكومة، مشيراً إلى قصورها الواضح في شرح مضامين التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة.
واعتبر شهيد أن هذا القصور ترك فراغاً خطيراً استغلته الشائعات والتأويلات المغرضة لتوجيه الرأي العام نحو فهم مشوّه للتعديلات، محذراً من أن استمرار هذا الغموض قد يهدد بإثارة جدل شعبي عقيم لا يخدم المصلحة الوطنية..
وأشار إلى أن المرحلة القادمة، التي ستشهد دراسة المشروع في البرلمان، تقتضي جهداً حكومياً مكثفاً لتوضيح أهداف التعديلات وطمأنة المجتمع، لتفادي سوء الفهم المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
النقاش حول مدونة الأسرة لم يقتصر على مراكش؛ ففي لقاء حزبي بمدينة تمارة، صعد إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، يوم أمس السبت، انتقاداته لما وصفه بالنقاش العقيم الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي.
وحذر لشكر من الدعوات الشعبوية التي ربطت بين التعديلات وقضايا مثل التعدد، مشيراً إلى أن هذه الطروحات تبتعد عن جوهر الموضوع، الذي يتمثل في تعزيز التوازن والمساواة بين الرجل والمرأة، لذا فإن الحكومة مطالبة بشرح مضامين التعديلات لتجاوز إنتشار الشائعات.
وسبق أن أكد مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مؤخرا، أن خطة الحكومة لصياغة المدونة، ستعتمد على أسس العدل والمساواة والانسجام، مع تحديد آجال زمنية واضحة لصياغة مشروع قانون متكامل يتماشى مع التوجيهات الملكية.
وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد أعلن مؤخرا، خلال لقاء تواصلي بالرباط، عن الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة، بعد اكتمال مسار الاستشارات الواسعة التي أشرفت عليها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وفي أعقاب إبداء المجلس العلمي الأعلى لرأيه الشرعي، بخصوص بعض مقترحات الهيئة المرتبطة بنصوص دينية قطعية.
وأوضح وهبي أن هذا اللقاء التواصلي يأتي في سياق التعليمات الملكية السامية، وحرص جلالته، أعزه الله، على مواصلة التعامل بشفافية مع مسلسل مراجعة مدونة الأسرة، وضمان تواصل أوسع بشأنه.
ومن بين ما تم اعتماده، تأسيسا على مقترحات الهيئة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، أشار الوزير، على الخصوص، إلى ما يلي:
أولا– إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، وتعزيز ضمانات زواج الشخص في وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج؛
ثانيا– إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك؛
ثالثا– تحديد أهلية الزواج بالنسبة للفَتى والفَتاة في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة “الاستثناء”؛
رابعا– إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط؛
وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن “المبرر الموضوعي الاستثنائي” للتعدد، سيُصبح محصورا في: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية؛
خامسا– إحداث هيئة، غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مَهَمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار؛
سادسا– جعْل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، وتحديد أجل ستة (6) أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق؛
سابعا– تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية؛
ثامنا– اعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة؛
تاسعا– اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به؛
عاشرا – عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها؛
حادي عشر– وضع معايير مرجعية وقيمية تُراعى في تقدير النفقة، وكذا آليات إجرائية تساهم في تسريع وتيرة تبليغ وتنفيذ أحكامها؛
ثاني عشر– جعل “النيابة القانونية” مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها. وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، في ضوء معايير وغايات يحددها القانون؛
ثالث عشر– تحديد الإجراءات القانونية التي يتعين على المحكمة سلْكها من أجل ترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على التصرفات التي يُجريها وليه أو وصيه أو المقدم عليه؛
رابع عشر– حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون؛
خامس عشر– تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع “إرث البنات”، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية؛
سادس عشر – فتح إمكانية الوصية والهبة أمام الزوجين، في حال اختلاف الدين؛
ووسط هذا المشهد، تظل مدونة الأسرة موضوعاً حساساً يستقطب اهتماماً واسعاً داخل المغرب، حيث تتباين الآراء بين مؤيد ومتحفظ.
ومع اقتراب موعد عرض التعديلات على البرلمان، تبقى الآمال معقودة على تحقيق توازن يعكس تطلعات الشعب المغربي نحو مستقبل أفضل.