بدأ النقاش يدور بقوة حول الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2026، والتحركات السابقة لأوانها التي أظهرت شيئا من معالم التنافس المحموم حول قيادة “حكومة المونديال” المنتظرة، غير أن اللافت للانتباه، فيما يَرُوج ويُرَوّج له حتى الآن، أن أحزاب المعارضة خارج دائرة المنافسة على تصدر المشهد في المرحلة المقبلة، والسباق محصور فقط بين أحزاب التحالف الثلاثي: “الأحرار” و”البام” و”الاستقلال”.
في سياق سياسي عادي مثل الذي يعيشه المغرب، يفترض أن تكون الانتخابات محطة لمحاسبة الحكومة ومكوناتها على الحصيلة التي حققتها خلال سنوات التدبير، والتي من الطبيعي أن تمزج بين الفشل والنجاح، وهو الأمر الذي يمثل حافزا للمعارضة للتركيز على الهفوات والإخفاقات في محاولة لتأليب الرأي العام على الأحزاب المسيرة تمهيدا لإسقاطها في الاختبار الانتخابي.
لا شيء من هذا أو ذلك حاصل حتى الآن، فقط أحزاب التحالف الحكومي بدأت عمليات الإحماء المبكرة استعدادا لخوض المواجهة الانتخابية، في الوقت الذي مازالت غالبية أحزاب المعارضة تحاول لملمة صفوفها وترتيب بيوتها الداخلية، وهي إشارة إلى أنها ستبدأ السباق متخلفة عن المنافسين الثلاثة بخطوة على الأقل، ما يجعل الانطباع السائد لدى الرأي العام هو أنها سلمت بـ”الهزيمة” قبل بداية المعركة.
عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، يرى أن الأصل في العملية السياسية هو أن الانتخابات تشكل “لحظة تعبر فيها الأمة عن اختياراتها تجاه من يدير شؤونها”، مؤكدا أنه ليس هناك علاقة أتوماتيكية بين التدبير وخسارة الانتخابات من قبل الأحزاب التي تدير الشأن العام، وقد يكون العكس.
واستدرك اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، ليوضح في الحالة المغربية أنه في ظل الممارسة السياسية الحالية والبنية الحزبية الحالية وطبيعة الثقافة المؤسساتية من حيث مسار اتخاذ القرار، “الانتخابات لا تعكس رضا الناس أو عدم رضاهم عمن يدير الحكومة”.
وأشار اليونسي في قراءته إلى أن أحزاب المعارضة في المغرب “ليست بالشراسة والمصداقية مقارنة بواقع تدبير هذه الحكومة، بل لا تقدم بديلا حقيقيا يمثل أملا للناس للتغيير أو التخفيف من ضغوطات التضخم، وبالتالي تحشد الناس لرفع المشاركة الانتخابية والتأثير الحقيقي في النتيجة الانتخابية، ومن ثم تتبوأ صدارة الانتخابات فتشكيل حكومة جديدة”.
وشدد المتحدث على أنه في ظل الواقع المؤسساتي والقانوني الحالي ورهانات الدولة في أفق 2030، و”استمرار الرهان على حضور أصحاب المال في تدبير شؤون الدولة، ومنها الانتخابات، وفي ظل للتحولات الدولية والإقليمية وتراجع سؤال الدمقرطة مقابل تصاعد المصلحة، فإن التنافس سيكون انتخابيا وليس سياسيا يهم الاختيارات، وبالتالي من المتوقع انحسار التنافس بين أحزاب التحالف الحكومي الحالي المتنافسة”، وفق تعبيره.
قراءة اليونسي للواقع تجد من يعارضها في الساحة الأكاديمية، إذ يرى محمد يحيا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، أن من السابق لأوانه الحديث عن حصر المنافسة على تصدر الانتخابات المقبلة بين أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة، وذلك على اعتبار أن حصيلة الحكومة الحالية “منتقدة وعليها مؤاخذات وإشكالية العزوف المتوقعة مرة أخرى”.
وقال يحيا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الصراع الحالي بين ثلاثي الأغلبية الذي يسير الشأن العام الوطني والنقاش الدائر يجعل أحزاب المعارضة “بعيدة وضعيفة؛ لأن التحضير للانتخابات يفرض عليك أن تحتل مواقع داخل المؤسسات، سواء كرئاسة الجماعات أو الجهات أو مجالس العمالات والأقاليم”.
وذكر المتحدث أن “انعدام التوازن المؤسساتي الحالي بين الأغلبية والمعارضة يفرض ذلك، إذ إن مجلس النواب ترأسه الأغلبية ومجلس المستشارين كذلك ترأسه الأغلبية، في حين في الولاية التشريعية السابقة كان مجلس النواب تترأسه الأغلبية، ومجلس المستشارين تترأسه المعارضة، وكان هناك نوع من التوازن”.
ولفت يحيا إلى أن “الانتخابات بقي عليها أكثر من سنة ونصف، وهناك إشكالات وسجال بين مكونات الأغلبية وارتفاع الأسعار، الأمر الذي يمكن أن يخلف مفاجآت”.
وزاد الأكاديمي ذاته مبينا: “أرى أن حزب العدالة والتنمية يمكن أن يعود، ويمكن أن يشكل بالنسبة للمواطن بديلا، لأننا حينما نتحدث عن هذا الحزب فإنه يشتغل بجمعيات ومنظمات موازية، وأظن أنهم سيكونون في الصراع ويتموقعون بشكل أفضل”.
كما رشح يحيا الاتحاد الاشتراكي للمنافسة، “شريطة أن يعيد النظر في عمل المجلس الوطني ومكتبه السياسي، وقد يكون بديلا للمواطن في أفق إيجاد حل للخروج من الأزمة الحالية”، حسب رأيه.