مُتغير نوعي عرفه الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، اليوم الجمعة، بعدما ركّز مضمونه كاملا وبشكل حصري على قضية الصحراء المغربية، بما يشكل اختلافا عن السنوات الماضية حيث كانت الشؤون الحزبية والسياسية تأخذ حيزا مهما منه.
الملك محمد السادس تحدث بشكل مهم ضمن خطابه عن جوانب أساسية من هذا الملف، بداية باتجاه عدد من الدول الكبرى والصديقة إلى الكشف عن مواقف جد مهمة للمملكة، خصوصا تلك الصادرة عن كل من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب إشادته بما عرفته الأقاليم الجنوبية من تنمية خلال السنوات الأخيرة، وتوجُّه دول إفريقية وعربية صديقة إلى افتتاح قنصليات بها، سواء بالعيون أو الداخلة.
وفي بسطهم لدلالات التركيز الكامل للخطاب الملكي على قضية الصحراء المغربية أوضح أكاديميون وأساتذة مختصون أن “هذا التحول الطارئ في موضوع خطاب افتتاح السنة التشريعية لا يمكن مناقشته دون ربطه أساسا بالتطورات التي عرفها ملف الصحراء المغربية خلال الآونة الأخيرة، خصوصا بعدما أعطت دول تتوفر على عضوية دائمة بمجلس الأمن مواقف داعمة للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية”.
كما بيّن الخبراء أنفسهم أن “الملك رَسم خارطة طريق واضحة أمام الفاعل الحزبي والبرلماني بخصوص قضية الصحراء من أجل استغلال وسائل الدبلوماسية الموازية، خصوصا البرلمانية، من أجل المحافظة على المكتسبات التي تم الوصول إليها خلال السنوات الأخيرة في تدبير هذا الملف، مع استغلالها لتحقيق مزيد من النجاحات في هذا الملف المفتعل”.
خارطة طريق جديدة
حفيظ الزهري، باحث في الشؤون السياسية والدولية، كشف أن “تحدث الخطاب الملكي بالكامل عن قضية الصحراء يأتي في إطار الدينامية التي تعرفها قضية الوحدة الترابية للمملكة على المستوى الدولي، خصوصا مع توالي الاعترافات من العيار الثقيل من دول تتوفر على العضوية الدائمة بمجلس الأمن بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية”.
وأضاف الزهري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الخطاب يأتي كذلك بمثابة إشارة إلى أن قضية الصحراء تعرف تطورات كبيرة على المستوى الدولي، وتحديدا على مستوى الأمم المتحدة، في وقت نبقى على مقربة أقل من شهر من صدور القرار الأممي الخاص بالصحراء المغربية”.
وتابع الباحث ذاته: “انطلاقا من هذا الخطاب وضع الملك خارطة طريق أمام الدبلوماسية الوطنية، بما فيها الحزبية والبرلمانية، من أجل إعادة النظر في طريقة اشتغالها على هذا الموضوع، الذي يجب أن يتم عبر التكوين والتسلح المعرفي حول ملف الصحراء المغربية وما يدور في فلكه من ملفات اقتصادية وسياسية وتاريخية وثقافية، مع محاولة استغلال ذلك في المؤتمرات الدولية واللجان المشتركة البرلمانية بين المغرب والخارج”.
كما لفت المتحدث إلى أن “الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة يعتبر بمثابة خطاب رسمي حول التوجه المغربي نحو الحل النهائي لهذا الملف المفتعل عبر الأمم المتحدة، وليس عبر منظمات إقليمية أو جهوية تحاول جهات معادية جر المغرب إليها لتشتيت تركيزه المنصب أساسا على الحل الأممي”.
سياق جديد
أما محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، فأوضح من جهته أن “خطاب اليوم يأتي على بعد أقل من شهر على عيد المسيرة الخضراء التي تعتبر عادة مناسبة تأخذ الحيز الأهم من موضوع الوحدة الوطنية، ويعتبر كذلك أول خطاب رسمي بعد الخطوة الفرنسية التي همت الاعتراف بمغربية الصحراء؛ كما يعد إشارة إلى أهمية الخطوة الفرنسية في هذا الصدد، لكونها تهم ثاني دولة تعترف بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية داخل مجلس الأمن”.
وأضاف ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الملك محمدا السادس خلال هذا الخطاب حاول إعطاءنا ما يمكن ان نعتبره جردا للإستراتيجية المغربية في تدبير هذا الملف، التي كانت ناجحة بكل المقاييس؛ فهناك إشارة إلى وجود إستراتيجية في هذا الصدد ووجود نجاح كذلك”، مشيرا إلى أن “تخصيص الخطاب كذلك لموضوع الصحراء المغربية يتضمن إشارات إلى أن المغرب صار يعتبرها معبرا وواجهة للتنمية والتواصل مع الداخل الإفريقي”.
وزاد المتحدث ذاته: “تخصيص الخطاب الملكي لقضية الصحراء المغربية يعني أن هذه القضية لا تعني الأقاليم الجنوبية فقط، بل ترتبط بإستراتيجية لتنمية المملكة ككل، وحتى تنمية المنطقة كذلك. الخطاب كذلك حمل رسائل إلى مختلف القوى الحية والبرلمانية تفيد بأنه يجب استثمار الروح الإيجابية الحالية من أجل ترسيخ المكتسبات وكذا العمل عليها، إذ يجب على الكل المشاركة وبكثافة في دعم الملف من مختلف الجوانب، سواء من الجانب الدبلوماسي الرسمي أو الدبلوماسي البرلماني والحزبي وحتى الشعبي؛ فثقل الملف والمستجدات التي عرفها خلال الآونة الأخيرة جعلته يحظى بالاهتمام على مستوى الخطاب ككل”.