من المتوقع أن يجذب المغرب ما يزيد عن مليون ونصف المليون زائر إضافي خلال فترة كأس العالم 2030، مما سيرفع مداخيل البلاد السياحية بقيمة تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار، أي حوالي 20 إلى 30 مليار درهم، ناهيك عن مكاسب اقتصادية أخرى متعلقة بالنمو الاقتصادي وتحسين جودة البنيات التحتية.
السياحة في طليعة القطاعات المستفيدة
وفقا لورقة بحثية صادرة عن “مرصد العمل الحكومي” و”مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني”، سيستقطب المغرب مشجعين وجماهير من أكثر من 48 دولة، “ما يسهم في تنويع قاعدة الزوار الدوليين وتوسيع سوق السياحة المغربي”، كما ستتيح البطولة فرصة فريدة للترويج للوجهات السياحية المغربية مثل مراكش، أكادير، طنجة، وفاس، والمدن والمناطق المحيطة بها التي ستستفيد من تسليط الضوء الإعلامي العالمي عليها، ما قد يحفز زيادة الزوار بشكل مستمر حتى بعد انتهاء البطولة.
وتشير التقديرات إلى أن معدل إنفاق السائحين المتوقع يبلغ ما بين 1000 إلى 2000 دولار (10 آلاف إلى 20 ألف درهم) للسائح الواحد خلال إقامته بالمغرب، ويشمل ذلك تكاليف الإقامة، الطعام، التنقل، التسوق، والترفيه.
وتوقع المصدر ذاته أن تنسحب هذه الانتعاشة على مختلف فروع القطاع وفي مقدمتها الفنادق والإقامة التي ستسجل زيادة في الإشغال قد تصل إلى 90-100% خلال البطولة، وكذا قطاع المطاعم والمقاهي وقطاع النقل والخدمات اللوجستية بحيث من المتوقع أن تشهد شركات النقل والحافلات وشركات تأجير السيارات انتعاشًا ملحوظا.
تحسين البنية التحتية
ولفتت الورقة إلى أن تنظيم المونديال سيفضي إلى تحسين البنية التحتية من خلال زيادة الاستثمار فيها، ولاسيما الاستثمارات في المنشآت الرياضية والمرافق، بحيث تتطلب استضافة كأس العالم تطوير أو بناء ملاعب ومرافق رياضية جديدة، مما قد يتطلب استثمارات تتراوح بين 30 و50 مليار درهم.
وبالإضافة إلى ذلك، ينتظر أن يتم تمديد شبكة القطار الفائق السرعة (البراق) بين الدار البيضاء وأكادير، مما يسهم في تقليص مدة السفر بين المدينتين إلى حوالي ساعتين ونصف بدلاً من خمس ساعات، وسيحقق المشروع فوائد اقتصادية وسياحية كبيرة. وتقدر تكلفة تمديد شبكة القطار الفائق السرعة إلى أكادير بحوالي 50 مليار درهم.
كما ينتظر أن تعرف الرعاية الصحية تحسنا كبيرا من خلال تأهيل وبناء المستشفيات بتكلفة تقدر بحوالي 20 مليار درهم. وكذا تطوير شبكات الطرق والمواصلات العامة لاستيعاب العدد الكبير من الزوار بقيمة 15 مليار درهم.
النمو الاقتصادي والشغل
بالنسبة للنمو الاقتصادي، أكدت الدراسة أن استضافة بطولات كبرى مثل كأس العالم يؤدي عادة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.5% و1% سنويًا خلال فترة الحدث وبعده، ما يعادل زيادة تتراوح بين 30 و40 مليار درهم للاقتصاد المغربي.
كما أوردت أن تنظيم المونديال سيساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي بمشاريع قد تخلق حوالي 50,000 إلى 80,000 وظيفة جديدة في مجالات البناء، والسياحة، والخدمات.
كما ينتظر أن يكسب المغرب 20 مليار درهم من حقوق البث التلفزيوني التي تعد من أكبر مصادر الإيرادات للبلدان المستضيفة، وكذا عقود الرعاية والإعلانات بحيث يجذب الحدث اهتمام الشركات الدولية الكبرى، ويمكن أن تصل عائدات الرعاية إلى حوالي 10 ملايير درهم.
فرص كبيرة وتحديات أيضا
في المقابل، أشارت الورقة إلى أن الوصول إلى النتائج المرجوة في ظل منافسة عالمية، خاصة مع دول شريكة مثل إسبانيا والبرتغال، يستلزم من المغرب معالجة بعض التحديات الجوهرية التي تتعلق بالنموذج الاقتصادي للملاعب والبنية التحتية، وضبط معدلات المديونية، وتحديث الخدمات والرقمنة.
وعادة ما تواجه الدول المستضيفة تحديات كبيرة بعد انتهاء كأس العالم، لاسيما فيما يخص استخدام الملاعب والمنشآت الرياضية بطريقة اقتصادية مستدامة، ولتجنب أن تصبح الملاعب استثمارا غير ذي مردود بعد الحدث.
كما “يبقى تأمين التمويل اللازم لبناء البنية التحتية وتحديثها من أكبر التحديات التي تواجه الدول المضيفة لكأس العالم، ويبرز هذا التحدي بشكل خاص بالنسبة للمغرب، حيث سيتعين إدارة التكاليف الضخمة المرتبطة بتمديد شبكات النقل، وبناء المنشآت الرياضية والمرافق العامة، خاصة مع تقدير بعض المشاريع الكبرى بمليارات الدولارات”.
في هذا السياق، يتوجب على المغرب، وفقا للباحثين، وضع استراتيجية دقيقة لتمويل هذه المشاريع، مع التركيز على تقليل الاعتماد على القروض الممولة بمديونية مرتفعة، وتجنب ضغوط الديون المستقبلية.
كما تعد الرقمنة وتطوير الخدمات الذكية ركيزة أساسية لجعل تنظيم كأس العالم في المغرب تجربة متميزة، فالمقارنة مع إسبانيا والبرتغال، اللتين تتمتعان بمستوى عال بالمقارنة مع المغرب من التطور في الخدمات الرقمية، ستضع ضغطا على المغرب لتحديث بنيته الرقمية لجعلها متوافقة مع توقعات الجمهور العالمي.
ويشمل ذلك تطوير منصات إلكترونية مدمجة لتيسير حجز التذاكر، وحجز الإقامات، ووسائل النقل، وتحسين تجربة المشجعين من خلال التطبيقات الذكية التي تتيح لهم الوصول إلى المعلومات والخدمات بسرعة وسلاسة.
كما يمثل مستوى جودة الخدمات العامة والسياحية تحديا أساسياً، خاصة وأن المغرب سيقارن بإسبانيا والبرتغال اللتين تمتازان بتجربة سياحية عالمية.
وفي ظل التوجه الدولي المتزايد نحو تحقيق الاستدامة، يشكل تنظيم بطولة عالمية بهذا الحجم تحديا بيئيا يستدعي من المغرب وضع سياسات بيئية مستدامة، تشمل إدارة الموارد الطبيعية، وخفض استهلاك الطاقة والمياه، وتقليل النفايات والانبعاثات الضارة، كما يمكن استغلال هذه الفرصة للترويج لمشاريع الطاقات المتجددة
وفي سياق متصل يتطلب تأمين كأس العالم من المغرب اعتماد استراتيجية شاملة تشمل إجراءات صارمة لضمان سلامة الزوار والمنشآت، وهو ما يستلزم تطوير خطة تنقل متكاملة تشمل وسائل النقل العام، وأماكن الإقامة، والمسارات السياحية لتجنب الاكتظاظ وتوفير تجربة آمنة ومريحة.