تُعدّ مشكلة تنفيذ الأحكام القضائية في المغرب من التحديات الكبرى التي تؤثر على فعالية النظام القضائي وحماية الحقوق، نظراً لارتباطها الوثيق بضمان استيفاء الحقوق وتحقيق العدالة.
وفي هذا الصدد، كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن مجموعة من الإجراءات التي تبنّتها الوزارة للتصدي لهذه الإشكالية وتعزيز فعالية تنفيذ الأحكام.
على المستوى التشريعي، أوضح وهبي أن الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة تضمّن عدداً من التوصيات، أبرزها ضرورة البتّ في القضايا وتنفيذ الأحكام القضائية داخل آجال معقولة.
وأشار إلى أنه تم التنصيص على إحداث مؤسسة “قاضي التنفيذ” بموجب القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، وتحديد اختصاصاتها في مشروع قانون المسطرة المدنية. وتُعدّ هذه المؤسسة خطوة نحو تمكين القضاة من الإشراف المباشر على الإجراءات الإدارية والقضائية المتعلقة بالتنفيذ.
الجهود المبذولة، وفق جواب كتابي لوزير العدل، أثمرت نتائج إيجابية، حيث تمكنت المحاكم الإدارية خلال سنة 2023 من تنفيذ 6,253 ملفاً، بنسبة تنفيذ بلغت 71.07% مقارنة بعدد الملفات المسجلة. كما بلغت المبالغ المالية المنفذة 2.75 مليار درهم، مما يعكس تحسناً ملحوظاً في مؤشرات التنفيذ.
أما على المستوى الإجرائي، فقد أطلقت الوزارة برنامجاً لتكوين فوج جديد من المفوضين القضائيين يبلغ عددهم 552 شخصاً. الهدف من هذا الإجراء هو دعم مأموري التنفيذ وزيادة وتيرة تنفيذ الأحكام القضائية في مختلف المحاكم، مما سيُعزّز الكفاءة ويخفف العبء على المحاكم.
وفيما يتعلق بالرقمنة، أشار وزير العدل إلى أن الوزارة عملت على إحداث منصات رقمية تهدف إلى تحسين سير عملية التنفيذ وتوفير خدمات تتبع الملفات.
ومن أبرز هذه المشاريع منصة تتبع تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام، التي تتيح متابعة جميع مراحل التنفيذ والاطلاع على معطيات الملفات بشكل دقيق. كما تشمل المبادرات توفير تطبيق “محاكم”، الذي يتيح للمتقاضين خدمات إلكترونية متنوعة، مثل تسجيل طلبات التنفيذ وتتبع وضعيتها وسحب نسخ الأحكام.
إضافة إلى ذلك، تم تطوير منصة إلكترونية مخصصة للتبادل بين المحاكم والمفوضين القضائيين، بهدف تسريع عمليات التبليغ والتنفيذ. وتخضع هذه المنصة حالياً للتجربة في المحكمة التجارية ومحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، وهي جزء من استراتيجية شاملة لتقليص الزمن القضائي وضمان تحقيق العدالة في وقت وجيز.
أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس، رضوان اعميمي، أكد أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة ضد الدولة يشكّل إحدى أبرز المعضلات التي تعرقل تطوير العلاقة بين المواطنين والإدارة، مما يمسّ بسمعة الإدارة وفعالية دورها في تحقيق العدالة.
وأوضح اعميمي، في تصريح سابق لجريدة “العمق”، أن غياب نص قانوني خاص بتنفيذ الأحكام ضد الإدارة دفع الاجتهاد القضائي إلى البحث عن آليات بديلة مستمدة من قانون المسطرة المدنية. وأضاف أن هذه الاجتهادات شكلت محاولات لسد الفراغ القانوني وتحقيق التوازن بين حق المواطنين وضرورة حماية الأموال العامة.
وتطرّق اعميمي إلى تدخل المشرّع سنة 2019 من خلال قانون المالية، الذي أرسى ضوابط تمنع الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية، بهدف تنظيم عملية التنفيذ. إلا أن هذا الإجراء أثار جدلاً واسعاً، حيث اعتبره البعض عائقاً إضافياً أمام تنفيذ الأحكام بدلاً من أن يكون حلاً عملياً.
وأشار إلى أن بعض الإدارات لجأت إلى توقيع اتفاقيات مع المحاكم الإدارية لتأجيل وتنظيم التنفيذ. ورغم ما توفره هذه الاتفاقيات من حلول مؤقتة، فإنها تطرح تساؤلات حول مدى قانونيتها وقدرتها على إنهاء المعضلة. وأكد أن تنفيذ الأحكام القضائية يثير تساؤلات دستورية عميقة ترتبط بقدسية الأحكام واحترام دولة القانون.
وشدّد على أن دستور 2011 أرسى مبادئ أساسية، مثل احترام الآجال المعقولة للتنفيذ وواجب السلطات في تقديم المساعدة، مما يعكس التزاماً بمبدأ الأمن القضائي.
استشهد بدور مؤسسة الوسيط، التي نبهت إلى خطورة الامتناع عن تنفيذ الأحكام، حيث خوّلها القانون إحالة الممتنعين إلى رئيس الحكومة أو النيابة العامة لتكييف الفعل كخطأ شخصي أو جرم يستوجب العقاب. إلا أن هذا المقتضى لم يُفعّل بعد، مما يبرز الحاجة إلى إجراءات أكثر صرامة لتعزيز احترام الأحكام القضائية.
وخلص المتحدث إلى أن الاجتهادات القضائية، بما تحمله من سوابق، يمكن أن تساهم في تجاوز النصوص المقيدة وتحقيق العدالة والإنصاف. ومع ذلك، يبقى الحل الجذري مرهوناً بإصلاحات تشريعية تضع حداً لهذه الإشكالية بشكل نهائي.