السبت, يناير 4, 2025
Google search engine
الرئيسيةالرئيسيةتبون والجماجم... حين تصبح بقايا العظام أولوية وطنية!

تبون والجماجم… حين تصبح بقايا العظام أولوية وطنية!


تبون والجماجم… حين تصبح بقايا العظام أولوية وطنية!



بقلم: نورالدين بازين

في زمن يتطلع فيه العالم نحو المستقبل، وتتنافس فيه الدول على الفضاء والذكاء الاصطناعي، نجد الجزائر تناضل من أجل مطلب “مصيري” آخر: استرجاع جماجم مقاوميها من فرنسا! نعم، ليس عن التكنولوجيا أو التنمية أو فرص العمل نتحدث، بل عن جماجم تعود لقرنين مضيا. الرئيس تبون، في حنكة سياسية نادرة، قرر أن يجعل من هذه القضية محور الخطاب الوطني.

في بلد يعاني شبابه من البطالة، ويغرق اقتصاده في أزمات متكررة، يبدو أن الرئيس تبون قد وجد الحل: الجماجم. ربما يعتقد أن هذه العظام المتناثرة ستعيد للشعب الجزائري الإحساس بالفخر والاعتزاز، أو ربما يخطط لإضافتها إلى قائمة صادرات الجزائر التراثية!

فمن كان يظن أن بضع جماجم، لا يتجاوز وزنها بضعة كيلوغرامات، يمكنها أن تتحمل عبء ترميم العلاقة المتوترة بين الجزائر وفرنسا؟ يبدو أن العظام، وليس النفط، قد أصبحت المورد الجديد لإعادة بناء الدولة ورمزًا مستحدثًا للسيادة الوطنية. ففي بلد يُفترض أن يكون مشغولاً بمواجهة تحديات البطالة والتنمية، تتحول هذه البقايا البشرية إلى قضية الساعة، وكأن لا شيء أكثر إلحاحًا. ولعل التوقيت يزيد المشهد عبثية؛ ففي حين يغرق العالم في أزمات المناخ، الحروب، والاقتصاد، ويبحث عن حلول لمستقبل البشرية، تُصر الجزائر على إعادة فتح ملفات القرن التاسع عشر، وكأن الماضي قد بات أكثر أهمية من الحاضر أو المستقبل.

و يبدو أن فرنسا مرتبكة أمام هذا المطلب، بين الاعتراف بجريمتها وبين الحيرة حول سبب هذا الإلحاح المفاجئ. ربما تسأل باريس نفسها: ماذا ستفعل الجزائر بهذه الجماجم؟ متحف؟ نصب تذكاري؟ أم ستصبح جزءًا من مناهج تعليمية لتعليم الأجيال الجديدة فنون الماضي؟

المثير للدهشة أن هذا المطلب يُطرح في بلد يخرج شبابه في قوارب الموت بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا. هل فكر الرئيس تبون أن الجماجم قد تسهم في وقف هجرة العقول؟ أم أن الشعب الجزائري بات يفضل الرفاق القدامى (المقاومين الموتى) على قيادته الحالية؟

فمنذ فترة، بدأت فكرة بناء أضرحة جماعية تحت مسمى “الجماجم” تثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. في حين يُروج لهذا المشروع كخطوة نحو تكريم شهداء المقاومة ضد الاستعمار، تثار تساؤلات حول جدوى هذا المشروع في حل مشاكل المواطن الجزائري، خاصة فيما يتعلق بالبطالة والفقر. فهل يُعتبر بناء الأضرحة الجماعية مشروعًا حيويًا يسهم في توفير فرص عمل للعاطلين؟ أم أنه مجرد ذريعة جديدة لصرف الأنظار عن قضايا الفساد وسوء الإدارة؟

إن الحديث عن “الجماجم” كرمزية للمقاومة ضد الاستعمار يمكن أن يكون خطوة إيجابية في حفظ الذاكرة الوطنية والاعتراف بتضحيات الأجداد. ومع ذلك، فإن طرح هذا المشروع في ظل الوضع الحالي يثير أكثر من تساؤل، خاصة عندما يبدو أن السلطة تركز على هذه الرمزية بينما يعاني المواطن البسيط من تبعات استعمار “حديث”، يتجسد في أوجه الفقر والبطالة وسوء الخدمات. فمن الصعب أن يتقبل المواطن الذي يعيش ظروفًا اقتصادية صعبة أن يكون هذا المشروع هو الحل الذي تنتظره الدولة الجزائرية لتحسين وضعه.

الحديث عن خطة لتشغيل العاطلين من خلال بناء هذه الأضرحة يُطرح كإجابة على مشكلة البطالة المتزايدة. ولكن، هل فعلاً سيتمكن هذا المشروع من توفير فرص عمل حقيقية ودائمة؟ أم أن الأموال التي ستستثمر في هذا المشروع قد تُستغل في إطار من الفساد أو سوء الإدارة الذي يعاني منه القطاع العام في الجزائر؟ هذه الأسئلة تظل دون إجابة حقيقية، مما يجعل من “الجماجم” مجرد وسيلة للتهرب من معالجات حقيقية للواقع الاجتماعي والاقتصادي.

فبينما تُطرح هذه المشاريع الرمزية، لا تزال قضايا الفساد وسوء الإدارة تتصدر المشهد. فإلى متى ستظل الجزائر تراهن على مشاريع لا تمس جوهر المشكلة الحقيقية؟ إن التنمية الحقيقية تبدأ من تحسين أوضاع المواطنين، وتوفير فرص عمل حقيقية، والتخلص من آفات الفساد التي تلتهم مقدرات البلاد.

إذا كانت الجماجم هي الحل، فربما على تبون أن يضيف هذا الشعار إلى حملاته المقبلة: “الكرامة الوطنية تبدأ من القبور”. لكن حتى ذلك الحين، سيبقى الشعب الجزائري يتساءل: هل هذه العظام القديمة ستملأ بطون الجوعى؟ أم ستعيد الكهرباء للمناطق المنسية؟

وفي انتظار الإجابة، نأمل أن تجد الجماجم طريقها إلى الوطن… حتى وإن بقي الشعب في المنفى!





Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات