ليسَ بالملاعِب وحدها يُنظّم المونديال. من البديهيات التي يُسمَع صداها في التقرير التقييمي الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، الذي وإن كان منح الملف المغربي الإيبيري المشترك تقييما إيجابياً يؤهله لاحتضان المونديال بنجاح، إلا أن تفاصيله لفتت الانتباه لبعض نقاط الضعف التي تشكو منها مدن مغربية مرشحة لاستضافة التظاهرة العالمية.
تساؤلات عديدة تطرح حول استعداد البنيات التحتية المغربية لاستقبال العرس الكروي، ذلك أن مدن المملكة المرشحة ليست على نفس القدر من الجاهزية، على مختلف الأصعدة، لاحتضان حدث ستتسلط عليه الأضواء العالمية، وبقدر ما يعد تشَريفاً للمنظم بقدر ما يعد اختباراً عسيراً سيحكم على آفاقه السياحية والاقتصادية مدة طويلة بعد المونديال.
6 مدن مغربية رشحها المغرب لتمثيل المملكة في التظاهرة، الدار البيضاء والعاصمة الرباط وطنجة ومراكش وأكادير وفاس؛ وهي المدن التي عكف الاتحاد الدولي على تحليل مختلف الجوانب المتعلقة بالتنظيم المتعلقة بها، ليتبين من خلال تقريره أن الهوة بينها قد تكون سحيقة في بعض الأحيان.
مع ذلك، يرى الخبير في القطاع السياحي، الزبير بوحوت، أن “كل مدينة مغربية تضيف بُعداً فريدا خاصا بها للملف المغربي، بإرثها التاريخي وقدراتها اللوجستيكية وأجوائها، مما يضمن تجربة مونديالية لا تُنسى”.
ومن جهته، اعتبر الخبير في الاقتصاد الرياضي، رضا العرايشي، أنه “لو كان كأس العالم سيُنظم غدا في المغرب، فمدننا غير مستعدة، ولكن لحسن الحظ أن أمامنا 5 سنوات للاستعداد والتمرن، وهو وقت كافٍ لتجاوز نقاط الضعف”، مضيفاً أن بإمكان المدن المغربية التمرن على التنظيم وتجربة نفسها خلال كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم للسيدات أقل من 17 سنة، اللتان ستنظمان في المغرب.
الملاعب.. المؤشرات “خضراء”
“كل الملاعب المقترحة تستجيب للمعايير الدنيا”، يقول التقرير التقييمي للـ”فيفا”. والمعدل العام الذي حصلت عليه ملاعب الملف، المغربية منها والإسبانية والبرتغالية هو 4,1. وقد يظن البعض أن الملاعب الفارهة للجارتين الشماليتين هي التي رفعت المعدل، لكن الأمر ليس كذلك. فملعب الدار البيضاء الكبير، المزمع الانتهاء من أشغاله في سنة 2029، حاز على تقييم قدره 4,3، تقييم يضاهي ملعبين إسبانيين شهيرين “كامب نو” برشلونة و”بيرنابيو” مدريد.
عدا هذه “الجوهرة” المنتظرة بشوق، حاز ملعبا الأمير مولاي عبد الله بالرباط والملعب الكبير بفاس على تقييم 4,1، وملاعب طنجة الكبير ومراكش وأكادير على 4,0.
تقييمات إيجابية تجعل المغرب في مستوى الحدث على صعيد البنية التحتية الرئيسية للمسابقة؛ أي الملاعب، وتؤهله للمنافسة، دون مركب نقص أو “استحياء”، على استضافة المباريات الهامة؛ من نهائي أو مباراة افتتاحية ومباريات الأدوار النهائية لكبار المنتخبات العالمية.
واعتبر الخبير رضا العرايشي أن وضعية الملاعب المغربية المرشحة في كافة المدن مطمئنة: “عدا ملعب الحسن الثاني العملاق، الذي سيكون أكبر ملعب في العالم، ستكون بقية الملاعب جاهزة بحلول سنة 2025 لاستضافة كأس إفريقيا”.
ومع ذلك، يطرح تقييم الفيفا للملاعب المغربية سؤالا منطقيا: “هل للمغرب بالفعل ملاعب في مستوى “بيرنابيو” مدريد أو “دا لوز” لشبونة؟
جوابا عن هذا السؤال، اعتبر العرايشي أن تقييم الفيفا “يخضع لدفتر تحملات به خانات تتعلق أساسا بمدى توفر الملاعب على المرافق الأساسية المطلوبة، والملاعب المغربية تتوفر بالفعل على أهم المرافق”، مستطرداً “لكن يبقى التحدي الحقيقي والتقييم الفعلي هو “تجربة المتفرج” يوم المباراة، على المغرب بذل جهود كبيرة لضمان إرضاء المتفرجين بشكل لا يقل عن الملاعب الأجنبية العالمية”.
وفي هذا الصدد ضرب المثال بمسألة “ترقيم المقاعد” التي تيسر عملية الولوج للملاعب العالمية وتنظم الفرجة، والتي لا تزال الملاعب المغربية مفتقرة إليها.
النقل… “كعب أخيل” في طنجة وأكادير
من أهم المؤشرات التي تناولها تقرير الفيفا بالدراسة هو النقل، إذ منح الملف تقييما إجماليا قدره 4,3. هنا تتغير المعطيات وتبرز الهوة السحيقة بين المدن المغربية المرشحة. فإذا كانت العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، وجوهرة السياحة الوطنية مراكش، قد حازتا على تقييم يفوق المعدل (4,7)، فإن المدن الأخرى سجلت معدلات أدنى، الرباط بالكاد بلغت 3، أما طنجة وأكادير فحازتا على تقييم متدنٍ قدره 2,6 و2,0 على التوالي.
في رأي بوحوت، يتجلى التحدي أمام المدن المغربية في تمتع الشركاء، على غرار مدريد الإسبانية، بشبكة مواصلات عالمية المستوى، بما في ذلك مترو الأنفاق والقطارات عالية السرعة والحافلات عالية الكفاءة ومطار دولي رئيسي (أدولفو سواريز مدريد – باراخاس)، مما يوفر اتصالاً سلسًا، تحصل بذلك العاصمة الإسبانية على درجة 5.0 لشبكة النقل الخاصة بها.
“الدار البيضاء، على الرغم من أن لديها مطارا دوليا متصلا بشكل جيد (محمد الخامس)، لا تزال تعاني من بعض أوجه القصور من حيث شبكات النقل بين المدن. حيث حصلت المدينة على 4.0، لكن الجهود جارية لتحسين شبكة السكك الحديدية والنقل العام لتلبية الطلب المتزايد خلال الأحداث الكبرى”.
أما العرايشي، فيرى أنه من الضروري التفكير في الربط السككي بالملاعب، “من المرتقب أن يتم إحداث محطة قطارات بالقرب من ملعب الحسن الثاني الكبير، ولكن من الضروري أن يتم تكثيف تردد القطارات على المحطة، لا ننسى أن الملعب سيكون ذا قدرة استيعابية قدرها 115 ألف متفرج، ونقل هذه الأعداد يحتاج للاهتمام”.
الإيواء السياحي.. هوة كبيرة
لم يفلت الإيواء السياحي من مجهر الفيفا، الذي منح الملف تقييم 4,2 في المجمل. وفي التفاصيل حصلت المدن المغربية على هذا الصعيد على تقييمات متقاربة؛ فمراكش حازت، كما كان متوقعاً، على تقييم 4,6 متبوعة بأكادير وفاس بـ4,5، ثم الرباط 4,1 والدار البيضاء 4.
لكن الخبير بوحوت يرى أن مدينة الدار البيضاء في حاجة إلى تحسين إمكانياتها من حيث الإيواء السياحي للجمهور العريض، الذي لم ينل سوى 3,1، لتعزيز مكانتها الاستراتيجية في الملف”، مضيفا أنه في المقابل لديها مؤهلات أكثر تنافسية في مجال إيواء الوفود الرسمية وتنظيم فضاءات الجمهور (مهرجان الفيفا).
الرباط وفاس على العكس من ذلك، يضيف بوحوت، في حاجة لتحسين قدرتهما على استضافة الوفود الرسمية.
غير أن “عروس الشمال” هي الأكثر تخلفا عن هذا الركب، إذ منحها التقييم 2,2 فحسب، ما يطرح علامات استفهام حول أهلية مدينةٍ تعد أقرب المدن جغرافيا من الشركاء الإسبان والبرتغاليين، وتحتل بذلك نظريا مكانة محورية في الملف كصلة وصل بين البلدان المنظمة.
بالنسبة لبوحوت، فإن تدارك نقطة الضعف هذه بالنسبة لطنجة من اختصاص الجهات بالأساس، إذ ينبغي بحسبه أن تدخل جهة طنجة تطوان الحسيمة تحسينات على “برنامج التنمية الجهوية”، والأمر ذاته ينطبق على كل المدن التي سلط تقرير الفيفا الضوء على مكامن الخلل فيها؛ “ينبغي أن تشتغل على برامج عمل الجماعات وحتى الأقاليم أحيانا”.
كما اعتبر أنه من الضروري الاشتغال على إعادة تقييم ميزانيات الجماعات الترابية من خلال تخصيص جزء أكبر منها لتجاوز هذه الاختلالات في البنيات التحتية.
وأضاف “في طنجة على سبيل المثال لم يتم تشجيع الاستثمارات كما ينبغي، ولم تستقطب المدينة مستثمرين بما يكفي، رغم توفر مبادرات ميسرة كـ”ميثاق الاستثمار وبرنامج “كاب هوسبيتاليتي” لتحسين الأسطول السياحي في أفق سنة 2030.
وحذر بوحوت من أنه في حال لم يتم تدارك هذه الإشكالات، فإن موقع طنجة القريب من إسبانيا قد يفقدها الكثير من المكاسب؛ “يُمكن للسياح أن يتابعوا المباريات المبرمجة في المدينة ثم يعودون أدراجهم للإقامة في إسبانيا، أو في أفضل الظروف التوجه للمدن المغربية الأخرى ذات المؤهلات الأجود”.
وفي المقابل طمأن العرايشي، إلى أن المغرب حصل منذ أسابيع على قرض من “البنك الإفريقي للتنمية” يمكنه من تطوير بنياته التحتية في أفق تنظيم المونديال، بقيمة 650 مليون يورو.