الأربعاء, يناير 15, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيتازة قبل غزة ! – لكم-lakome2

تازة قبل غزة ! – لكم-lakome2


في خضم المأساة الفلسطينية التي تكشف عن وجه الاحتلال القبيح، وفي قلب حرب الإبادة التي تُشن بلا هوادة على غزة، يطفو على السطح خطاب مستفز يُرفع في بعض الأوساط: “تازة قبل غزة”. هذا الشعار، الذي يبدو في ظاهره بريئًا ومناديًا بالعناية بالشأن المحلي، يكشف في جوهره عن أزمة وعي سياسي وأخلاقي. إنه شعار يحمل في طياته أكثر من مجرد انحياز للأولويات الوطنية، بل يعكس تواطؤًا خفيًا مع مسارات التطبيع والاستبداد.

آراء أخرى

تازة، المدينة التي يُتخذ اسمها ذريعة، تعاني على كافة الاصعدة من مشكلات تنموية حقيقية، تنخر المنطقة، والبطالة أزمة نفسية يوميا لشبابها وغمامة فوق الإقليم يخنق الأفراد والأسر أما الطفولة فتعاني من واقع تعليم فيها متدنٍّ، والبنى التحتية متهالكة، والخدمات الصحية تكاد تكون غائبة، تازة هي نموذج صارخ للتهميش الذي طال مناطق كثيرة في المغرب، حيث يغيب المشروع التنموي العادل.. لكن من يرفعون هذا الشعار لم يرفعوه يومًا بصدق لمعالجة هذه الاختلالات، بل استُخدم اسم تازة كحجة لتبرير الانصراف عن القضايا الكبرى للأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وكمبرر لإعطاء الأولوية لشؤون الداخل، لا بهدف الإصلاح، بل لتكريس منظومة الفساد التي صنعت هذا التهميش.

لو كان الهدف هو حقًا النهوض بتازة، لكان ذلك يستدعي مساءلة السلطة السياسية حول استراتيجياتها التنموية، ولكن الخطاب الذي يقول “تازة قبل غزة” ليس خطابًا إصلاحيًا، بل هو صوتٌ يعيد إنتاج الإقصاء باسم الأولويات، ويتماهى مع مشروع سياسي أكبر يسعى إلى تفريغ الانتماء الوطني من أبعاده الأخلاقية والقيمية.

كما كانت جنوب أفريقيا سابقا وفيتنام وساراييفو رموزا، فغزة اليوم ليست مجرد مكان على الخريطة، بل هي رمز عالمي للصمود في وجه الظلم، وعندما نقول إننا ندعم غزة، فنحن لا نكتفي بالتضامن مع شعب تحت الحصار، بل نؤكد انحيازنا لقيم العدالة والكرامة.. غزة اليوم هي الامتحان الأخلاقي الذي يُختبر فيه كل نظام سياسي وكل فرد: هل تنحاز إلى المظلوم أم تتماهى مع الظالم؟
من يرفعون شعار “تازة قبل غزة” يغفلون أن الأولويات لا تعني بالضرورة التضاد، فالعدالة التي تنقص تازة هي نفسها التي تُنتهك في فلسطين، والاستبداد الذي همّش تازة هو جزء من منظومة عالمية تستبيح فلسطين، منطق الأولويات الزائفة هذا يُراد به فصل القضايا الوطنية عن القضايا الإنسانية الكبرى، كأنما المظلومية تتجزأ، وكأن التضامن مع غزة يُعيق النهوض بتازة.

ما يغلف هذا الخطاب في العمق هو محاولة إحداث قطيعة وجدانية مع فلسطين تمهيدًا للتطبيع الشامل، فالتطبيع ليس مجرد علاقة سياسية أو اقتصادية، بل هو عملية تهدف إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي، لتحويل الكيان الصهيوني من كيان غاصب إلى شريك طبيعي.. وهنا يكمن خطر “تازة قبل غزة”، فهو ليس مجرد شعار خاطئ، بل هو جزء من مشروع ثقافي صهيوني أكبر يسعى إلى إعادة تعريف الأولويات وفق منطق الهيمنة.

إن الإنسانية ليست رفاهية، والعدالة ليست خيارًا ثانويًا..، ما يُطلب اليوم ليس التضحية بتازة من أجل غزة، ولا إغفال غزة بحجة تازة، بل التفكير بمنطق الشمولية..، تازة تحتاج إلى تنمية وعدل، وهذه المطالب لا تتعارض مع نصرة القضية الفلسطينية، بل العكس، فإن العدالة في تازة تُصبح أكثر إلحاحًا عندما تُوضع ضمن إطار مقاومة منظومات القهر التي توحد مصائر المظلومين في كل مكان.
ما يجب أن نفهمه ونؤكد عليه هو أن التضامن مع فلسطين ليس رفاهية سياسية، بل هو جزء من معركة أوسع ضد منظومة الهيمنة التي تعيد إنتاج الفقر والتهميش محليًا وعالميًا، فتازة وغزة ليستا نقيضين؛ هما وجهان لمعركة واحدة ضد الظلم، الشعار الحقيقي الذي يجب أن يُرفع هو: “العدل لتازة وغزة معًا”. من يرفعون “تازة قبل غزة” لا يريدون حقًا لتازة شيئًا، بل يريدون تطبيعًا يُفرّط بفلسطين، ويعمّق الفساد في تازة كما هو واقع معاش يوميا.
تازة تستحق تنمية حقيقية، وفلسطين تستحق تحريرًا حقيقيًا، ولا يمكن لأحدهما أن يكون على حساب الآخر، إلا في خطاب من يسعون إلى تبرير الخذلان بذرائع الأولويات الزائفة.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات