أحكام الأسرة ونظام الإرث كلها حكمة وهداية
المتأمل في الأحكام التي جاء بها الإسلام فيما يتعلق بنظام الأسرة ونظام الإرث يجدها من أكثر الأحكام إحكامًا وتفصيلًا. فمن الملاحظ أنها تُختم غالبًا بمثل قوله تعالى: “والله عليم حكيم”، كما في قوله تعالى في سورة النساء الآية 11:
﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف، ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس، من بعد وصية يوصي بها أو دين. آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا، فريضةً من الله، إن الله كان عليمًا حكيمًا﴾.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون
في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 231، عند الحديث عن الطلاق:
﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولا تتخذوا آيات الله هزوًا، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم﴾.
وفي الآية تذكير بنعمة الله علينا وبما فصله ودققه في أحكام الإرث. والملفت للنظر ذلك التفصيل الدقيق في الأنصبة وفي توزيعها، مما يعتبر تقدمًا عظيمًا عما كانت عليه البشرية في التعامل مع الميراث وما تزال عليه إلى اليوم، من خضوعها لأهواء البشر وعاداتهم وأعرافهم.
ومن ذلك ما استمر في بعض المجتمعات الإسلامية، من قبيل منع المرأة من حقها في الميراث خشية انتقال الثروة خارج العشيرة والقبيلة. وما زال معمولًا به في أنظمة الميراث في الغرب، حيث يُرجَع حق التوريث إلى صاحب الثروة، حيث يمكن للهالك قبل موته أن يوصي لمن يشاء ويحرم من يشاء، بل لقطته أو كلبه أو صديقه أو صديقته، وهلمّ جرًّا.
تدقيق معجز في أنصبة المواريث والوصية لا يوجد في شريعة أو قانون وضعي
لقد جاء الإسلام بأحكام في الوصية تمنع الوارث منها، وتقيدها بحيث إنه “لا وصية لوارث”، كما حدّد سقفها بحيث لا تتجاوز الثلث: “والثلث كثير”. وقد وزّع الأنصبة بدقة كبيرة، كما في قوله تعالى:
﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين…﴾ (سورة النساء: 11).
وفي قوله تعالى في نفس السورة الآية 12:
﴿ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين. ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين. وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار. وصية من الله، والله عليم حليم﴾.
وهذا تفصيل دقيق ومعجز أنزله الله من فوق سبع سماوات، ولم يتركه للبشر. وجاء التعقيب عليه بقوله تعالى:
﴿تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين﴾ (سورة النساء: 13-14).
وهي الأحكام التي كانت من بين العوامل التي قادت المسلمين لتطوير علم الجبر.
صيغة التوصية وليس صيغة الأمر في أحكام المواريث والحكمة من ورائها
هناك أمر آخر يتمثل في سر افتتاح آية أحكام المواريث بقوله تعالى: “يوصيكم”، وإيثارها على قوله مثلًا: يأمركم الله أو يفرض عليكم. وقد ذهب المفسرون إلى أن الوصية تعني الأمر بما فيه نفع المأمور، وفيها اهتمام الآمر لما فيه خير وصلاح.
جرأة بعض المحسوبين على النضال في أحكام الشريعة
لقد صدع بعض الحقوقيين رؤوسنا، خاصة ذوي الخلفيات اليسارية، بالنضال من أجل تغيير أحكام المدونة أو الادعاء بـ”الاجتهاد المستنير”، بينما كثير منهم لا يجيد تكوين جملة مفيدة، فضلًا عن أن تكون له القدرة على فهم القرآن والسنة وأحكامهما.