أكد مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الخميس، أن الحوار الاجتماعي يمثل موضوعاً شاملاً يتجاوز القضايا التقليدية ليشمل ملفات مصيرية، من بينها إصلاح أنظمة التقاعد، الذي أصبح ضرورة ملحّة في ظل التحديات الهيكلية التي تواجهها المنظومة.
وأوضح بايتاس، خلال ندوة صحفية عقب اجتماع المجلس الحكومي، أن العمل على هذا الملف سيتم بسرعة فور توافر الشروط المناسبة، في حين تشدد النقابات المهنية على ضرورة الإصلاح دون المساس بحقوق الطبقة الشغيلة.
وسبق أن أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن الحكومة ملتزمة بتعميم التقاعد على الفئات غير المستفيدة بحلول سنة 2025، مع استكمال إصلاح شامل لأنظمة التقاعد قبل نهاية الولاية الحكومية الحالية.
وانتقدت العلوي في جواب كتابي على سؤال النائب البرلماني عن الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، حول إشكالية منظومة التقاعد، الحكومات السابقة بسبب تعثرها في تنفيذ إصلاح شمولي.
واعتبرت أن التحدي اليوم يتمثل في تجاوز الحلول الجزئية والتوجه نحو مقاربة متكاملة تضمن العدالة بين المنخرطين واستدامة المنظومة.
الوزيرة شددت أيضاً على أهمية انخراط جميع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين في هذا الورش، الذي وصفته بأنه ضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الأجيال القادمة، لا سيما الفئات الهشة.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات زاد من إلحاح الموضوع، حيث كشف مؤخرا، عن عجز تقني كبير يعاني منه الصندوق المغربي للتقاعد، بلغ 9.8 مليار درهم خلال سنة 2023.
الأخطر من ذلك، حسب تقرير المجلس، أن احتياطات الصندوق مهددة بالاستنفاد الكامل بحلول سنة 2028، مما يعني أن الوقت لا يسمح بمزيد من التأخير. التقرير شدد على أن الحلول الظرفية لم تعد كافية، داعياً إلى تبني إصلاح هيكلي عميق يعالج الأسباب الجذرية للمشكلة.
من بين التوصيات التي قدمها المجلس توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد لتشمل الفئات غير المهيكلة، مثل العاملين في القطاع غير الرسمي والمهن الحرة، على أن يتم ذلك تدريجياً مع تقديم حوافز مغرية لضمان التزام هذه الفئات.
ورغم الإصلاحات المعيارية التي تم تطبيقها في السنوات الأخيرة، مثل التعديلات التي شملت نظام المعاشات المدنية بالصندوق المغربي للتقاعد سنة 2016 والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد سنة 2021، إلا أن النتائج لم تكن على مستوى التطلعات.
وأشار المجلس الأعلى للحسابات إلى أن هذه الإجراءات لم تحقق التوازن المالي المطلوب، مما يفرض البحث عن حلول مبتكرة تشمل آليات تمويل جديدة.
من بين الخيارات التي أثيرت تقديم تحفيزات ضريبية وربط أنظمة التقاعد بمشاريع تنموية ذات عوائد مستدامة.
على المستوى الاجتماعي، تتزايد المطالب النقابية بحماية حقوق الطبقة الشغيلة في أي إصلاح مقبل، خاصة في ظل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة.
النقابات تؤكد أن الإصلاح لا يجب أن يتم على حساب المكتسبات الحالية، بل ينبغي أن يسعى إلى تحسين ظروف المتقاعدين وتوسيع الاستفادة لتشمل الفئات المهمشة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاح جذري وشامل يضمن حقوق المتقاعدين الحاليين والمستقبليين ويؤمن ديمومة المنظومة.