لا يزال ملف الفساد في المغرب يثير جدلاً واسعاً بين الحكومة والمعارضة، حيث تتعالى الأصوات المطالبة بإيجاد حلول جذرية للحد من هذه الظاهرة التي ترهق الاقتصاد الوطني وتهدد ثقة المواطنين في المؤسسات.
في كل مناسبة سياسية أو برلمانية، يجد هذا الموضوع طريقه إلى النقاش، ويحتدم الجدل بين من يرى أن الجهود المبذولة لمكافحته غير كافية، ومن يؤكد أن هناك تقدماً ملموساً على أرض الواقع.
في هذا السياق، تصر المعارضة البرلمانية على أن الفساد لا يزال متغلغلاً في عدد من القطاعات الحيوية، وتعتبر أن الحكومة لم تبذل ما يكفي من الجهود لمحاربته بفعالية، مشيرة إلى استمرار بعض الممارسات التي تعرقل الإصلاحات المطلوبة.
بالمقابل، ترد الحكومة بالتأكيد على أن مكافحة الفساد ليست مجرد وعود سياسية، بل هي ورش مفتوح شهد تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مستدلة بذلك على مجموعة من الإجراءات التي تم اتخاذها لتعزيز النزاهة والشفافية.
وفي هذا السياق، شدد الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، على أن التراشق السياسي والاتهامات المتبادلة لن تخدم المعركة ضد الفساد، مؤكدًا أن الحل يكمن في استمرار العمل الجاد لتنزيل الإصلاحات الكبرى التي أطلقتها الحكومة في هذا المجال.
وأوضح، في الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد مجلس الحكومة، أن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد 2016-2025 حققت نسبة إنجاز تقارب 80 في المئة من أهدافها، مشيرًا إلى أن هذه النتيجة تعكس التزام الحكومة بتنفيذ سياسات واضحة لتعزيز النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام.
وأضاف بايتاس أن الحكومة عملت على تعزيز الإصلاحات القانونية والمؤسساتية من خلال إصدار مجموعة من القوانين المهيكلة، من بينها ميثاق المرافق العمومية، وقانون تبسيط المساطر الإدارية، ومرسوم الصفقات العمومية.
وأكد أن هذا الأخير، على وجه الخصوص، جاء ليمنح ضمانات أكبر من أجل تطويق أي محاولات للالتفاف على المال العام، وذلك عبر فرض آليات أكثر دقة في تتبع العمليات المالية المرتبطة بالمشاريع والصفقات الحكومية.
كما أبرز أن الحكومة تراهن بشكل كبير على التحول الرقمي في الإدارات العمومية باعتباره السبيل الأمثل لتقليص فرص الفساد، حيث يساهم تقليص التدخل البشري في الإجراءات الإدارية في الحد من الممارسات غير القانونية وتعزيز الشفافية في تقديم الخدمات للمواطنين.
ورغم تأكيد الحكومة على تقدمها في مكافحة الفساد، لا تزال المعارضة تعتبر أن الإصلاحات القائمة غير كافية، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ قرارات أكثر صرامة تشمل تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة بشكل أكثر جدية.
ويعكس الجدل المستمر حول هذا الملف حجم الرهان المطروح على الدولة في مواجهة الفساد بمختلف أشكاله، وهو تحدٍّ يتطلب إرادة سياسية قوية وإجراءات عملية أكثر صرامة.
وبينما تؤكد الحكومة التزامها بمواصلة الإصلاحات وتعزيز الشفافية، تبقى التحديات قائمة، ويبقى الرهان الأكبر هو ترجمة تلك الوعود إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطنون في حياتهم اليومية.