الأحد, يناير 12, 2025
Google search engine
الرئيسيةالرئيسيةبوعلام الجزائري وصنصال المغربي – لكم-lakome2

بوعلام الجزائري وصنصال المغربي – لكم-lakome2


لو أن هيئة مغربية أعلنت اليوم موقفها من اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، مطالبة بإطلاق سراحه أو بالعفو عنه، لَعُدَّ الموقف، بصورة تلقائية، موقفاً ضد الجزائر ينطبق عليه ما ينطبق على غيره من المواقف المرتبطة بالصراع المحتدم بين البلدين منذ أمد بعيد. ولو أن مواطناً جزائرياً مهتماً، يؤمن بالحرية وينافح عن حقوق الإنسان، ولا يُخيفه الاهتمام بالسياسة، أعلنَ موقفاً يماثل موقف الهيئة المغربية، لَعُدّ قوله، في المقابل، استفزازياً، وقد يوصم بالخيانة أيضاً، وسيكون بالأساس “موقف” عميل من عملاء المغرب الموجودين فوق التراب الجزائري (ما يقال في البلدين عن وجود “الطابور الخامس” في كِلَيْهِما)، ومن ثم وَجَبَ اعتقاله، إن وُجد، وإدانته، إن تجرّأ، بمثل ما دين به كاتب “تجرّأ” على قول ممنوع لم يكن له، في ما يبدو، أي بعد سياسي ظرفي، ولم يطعن به ظَهْرَ أيِّ مُؤَرِّخٍ، ولعله جاء على لسانه في حوار عابر كَطُرْفَة تاريخية تنتسب إلى الامتداد التاريخي الذي كان لبعض السلالات التي حكمت المغرب، وانبسطت في القرن الخامس عشر إلى ما وراء “مصراتة” الواقعة الآن جغرافياً في ليبيا.

آراء أخرى

ويبدو لي أن اعتقال بوعلام صنصال لم يكن فقط لأنه استسهل القول، فَعَبَّر عن موقفٍ معروف ليس من اجتهاده، مفاده بأن المناطق الغربية من الجزائر كانت مغربية في فترة من التاريخ، فهذا القول قد لا يعني شيئاً كثيراً لسامعٍ نَابِه يُدْرِك أن القرن الخامس عشر قد ولى منذ ستمائة سنة أو يزيد، وأنه لا سبيل الآن لإعادة رسم الخرائط الموروثة عن الاستعمار بأي “رسم” شرحه اللغويون بأنه بقية الأثر الذي يُبْرِزُ معالم الشيء فقط. يُضاف إلى هذا أن ما فاه به بوعلام صنصال، ولو أنه “حقيقة تاريخية” في نظر بعضهم، إلا أنه لا يمكن أن يُؤول، في الوقت الحالي، على أنه دعوة حارة إلى شنّ الحرب على بلد محتل هو بلده، لاسترداد منطقةٍ (الغرب الجزائري) هي منطقته. وما ذلك إلا لأنه منذ سيطر الاستعمار الفرنسي على الجزائر (1830) وتعرّض المغرب لحمايته (1912) تحولت الحدود، مع وجود كثير من التداخل، إلى “هويات” مستقلة، تستنجد بالخصوصيات، وتتعلق بالسياق المحلي، وتقيم لهما معاً خرائط متميزة، سميت بكلمة جامعة هي السيادة الوطنية، لا تعبأ بالصيغ الوحدوية النابعة من التاريخ المشترك ولا من اللغة والدين. والنتيجة أن الدولة الجزائرية نفسها انبسطت، حسب “الرسم” الاستعماري الفرنسي النابع من المصالح التي كان يراها للانبساط، على حساب المغرب وتونس وليبيا نفسها، أي رقعت سيادتها باقتطاع أجزاء من سياداتٍ أخرى. وانبسط المغرب قبل ذلك إلى نهر السينغال، وسبق للزعيم علال الفاسي أن نشر خريطة لـ”لإمبراطورية المغربية” في التاريخ، فلم يتحقق لما افترضه، بِفَورة حماسٍة وطنية بعد الاستقلال، أي شيء.

وأذكر هذا للتعبير عن فكرتين: الأولى، مفادها بأن الكلام بالعربية، أو بالفرنسية، أو بالأمازيغية، في أي موضوع يتعلق بالبلدين المتصارعيْن على مصالح وأوهام كثيرة، بصرف النظر عن طبيعة المتكلم وبواعث كلامه، غالباً ما يُصَاغُ خطابه الإيديولوجي على النحو الذي تراه السلطة لمستوى العداوة المستحكمة في العقول وفي النفوس، ولقدرته على إحداث الضرر المعنوي المُحْبِط لكل أمل في التفاهم، أو في الحوار والتصالح. وأعني أن الصراع الذي يدور بين المغرب والجزائر، وقد بلغ درجاتٍ من الاحتدام مقلقة، يُحَوِّلُ، بهذا المعنى، كل قضية، مهما كانت طبيعتها، إلى معركةٍ على أهبة الانطلاق، يصبح مَنْ سيحارب فيها جندياً في القوات المتأهبة التي لا تحتاج إلا إلى تهييج وطنيتها، أو المساس بجغرافيتها الموروثة عن الاستعمار، لكي تشعل نار الحرب، وهي على يقين عسكري بأنها المنتصرة مسبقاً. مع الإشارة إلى أن الدولة الجزائرية وَسَّعَت، في السنوات الأخيرة، من محيط صراعاتها مع دولٍ كثيرة، أوروبية وإفريقية، على غرار ما فعلته الدولة المغربية، في بعض الفترات، بسبب قضية الصحراء، فجعلها ذلك محطّ انتقاداتٍ لم يسبق أن تعرضت لها من قبل بِالْحِدَّة (الفرنسية) التي هي عليها اليوم، وقد يكون زَنَدَهَا اعتقالُ الكاتب صنصال، علماً أن العلاقة مع الدولة الفرنسة لم تستوِ قَطّ على أية قاعدة، منذ سنوات الاستقلال الأولى، قبل أزيد من ستين سنة.

الفكرة الثانية هي القائلة إنه إذا أسلمنا، جدلاً، أن القوانين الجنائية السائدة في جميع البلدان المغاربية وفي غيرها، لا تصلح في الحقيقة إلا لاعتقال المخالفين لِلْمَسْنُون منها في مختلف المجالات التي يقع فيها الجُرم أو التعدي، فإنها لا تبيح، في الوقت نفسه، أنْ يُتَّهم مرتكب الجرم، مهما كانت بشاعته، إلا إذا ثبت عليه بما لا يَدَعُ للشك المعقول مجالاً، انطلاقاً من قرينة البراءة الموصوفة عادة بالقانونية والقطعيّة، ولأن البراءة هي الأصل أيضاً. ومن هذه الزاوية، من واجب السلطات العامة أن تمتنع عن الحكم بصورة مسبقة على نتيجة المحاكمة. فهل من الحق في نازلة بوعلام صنصال، والحالة هذه، أن يتهمه رئيس الدولة، أمام البرلمان في اجتماعه الاستثنائي، قائلاً وهو يخاطب فرنسا أيضاً: “لقد أرسلتُم إلينا محتالاً لا يَعْرِف هويتَه ولا أباه، وهو يقول إنَّ نصف أرض الجزائر تنتمي إلى بلد آخر”.

السؤال الذي يمكن أن يتفرع من هذا الاتهام هو بطبيعة الحال: ألا يمكن اعتبار الاتهام تلميحاً للكاتب، وتأكيداً لادّعائه، بِمَثَابة تحريضٍ للسلطة القضائية على الاقتصاص من المتهم بما قد يَعِنّ للسلطة التنفيذية من أحكام؟ لأنه تدخّل في شؤونها بمنطق تنفيذي قد يكون مُلْزِما. والواقع أن هذا هو الجُرم بعينه في مخالفةِ مقتضيات قانون العقوبات الجزائري الذي يدعم قرينة البراءة (نصّ عليها الدستور في تعديله لعام 2016) من حيث جعلها هي الأصل في المتهم، وجعل مخالفة ذلك بطلاناً لا غبار عليه، وأضاف إليه وُجُوب “مساءلة المتسبب في انتهاك المبدأ”.

المفهوم من الاتهام أيضاً أن رئيس الدولة الجزائرية كان يشير إلى السلطات الفرنسية، وإذا خصّصناه أدركنا أنه ضد الرئيس الفرنسي حصراً، في جو مشحون بالعداوة التاريخية التقليدية التي لم تخفّف منها جميع المصالحات التي أُعِدَّت للتفاهم من قبل. وهذا ما يُفْهِمُ المتتبع لماذا اعتبرت السلطات الفرنسية اعتقال الكاتب تعسّفياً، فطالبت بإطلاق سراحه، ثم خرج الرئيس الفرنسي بالذات معلناً إدانته الخاصة، مطالباً بالمطلب نفسه. وبناءً عليه، يمكن للمهتم الجزائري بالموضوع أن يتساءل أيضاً: ألا تتدخل السلطات الفرنسية بهذا في شؤون بلدي، حتى ولو كانت معه على اتفاقية قضائية مُثْلَى، وهي لا تتوافر على المعطيات الحقيقية التي جعلت السلطات الجزائرية تعتقل الكاتب؟ هل يتعلق الأمر حصراً بالتصريح الذي أدلى به لموقع صحفي يميني (Frontières)، والكاتب عضو بين سبعةٍ آخرين في مجلس مستشاريه، فضلاً عن أنه يحمل الجنسية الفرنسية منذ 2024، وأحد المصنفين من الإعلام الفرنسي “روائيّاً جزائرياً مُقَاوماً ضد الحركة الإسلاموية”؟ ثم، لماذا تعتقل فرنسا الآن أيضاً النشطاء الجزائريين على أرضها، وهي تعرف أنهم مجرّد محرضين عليها نَشِبَت فيهم، بسبب موقفها، حَمِيَّة وطنية جاهلة؟

لا يتعلق الأمر بصيغتين متناقضتين لموضوع واحد يُعَبَّرُ عنه، من الجانب الفرنسي، بشعار سياسي يتوخى إطلاق سراح الكاتب، صيغته الاحتجاج، ومن الجانب الجزائري، ولو بطريقة مركبة، تتهم الكاتب وتدين التدخل في الشؤون الخاصة، صيغته الإدانة. ولا يمكن اعتبار “القضية” التي أثارها الكاتب نفسه سياسية، رغم أنها تستفز وجدان السيادة، أو تستحق التهويل بدافع سياسي ظرفي يمكن أن يكون لها إحاطة وسنداً، أو سياقاً وهدفاً. غير أن الذي لا يقال في كل ذلك، وهو الجوهر عندي في ما أثير حول الموضوع، أن الصراع بين المغرب والجزائر يتعلق الآن، وربما بعد أن استنفد مبرراته الشائكة، بالتأويل الذاتي للتاريخ المنسي، أي أنه يبحث عن سياق مفتعل لتحويل العداوة القائمة إلى حرب ضرورية أو مطلوبة.

أما الكاتب المعتقل، بوعلام صنصال، فليس إلا مناسبة مشخّصة في اسم، أي حالة فردية، وكلامه ليس إلا مزحة طافت بتصوره، أي مُتَوَهَّمَة. وقد لا يكون لأبيه المغربي، رغم أن الرئيس لم يعترف له به، أي دخل في ذلك، إلا إذا كانت أمه الجزائرية، بمنطق السلطة وتوترها، كارهة للمغرب.

ـ المصدر: عن موقع “العربي الجديد”



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات