هشام رماح
سرعان ما تلاشى شعار “يا فرنسا إن ذا يوم الحساب” الذي روج له النظام العسكري الجزائري، عبر أبواقه الإعلامية، وقد انبرت الأخيرة لتهيئة الجزائريين إلى تقبل رضوخ الـ”كابرانات” لأمر الواقع، وذلك بعدما شارفت المهلة التي حددتها فرنسا لهم من أجل إقرار عقوبات ستطالهم وعائلاتهم.
ولم يجد “عبد المجيد تبون” بدا غير إخضاع الرأس، وفق تفاصيل مكالمة هاتفية أجريت بينه و”إيمانويل ماكرون”، الرئيس الفرنسي، والتي قدم فيها ساكن قصر “المرادية” تنازلات وقدم فروض الولاء والطاعة من أجل رأب الصدع مع فرنسا، التي قال فيها، قبل أيام فقط، ما لم يقله مالك في الخمر أمام الإعلاميين المطبلين له في جارة السوء.
وتفيد التفاصيل وفق الصحافة الفرنسية، بأن “عبد المجيد تبون”، الذي قرر شد الحبل مع فرنسا، بإيعاز من الـ”كابرانات” الذين التفوا به على مطالب الحراك الشعبي الجزائري، تعهد في المكالمة الهاتفية بعدم إثارة قضية الصحراء المغربية، التي كانت السبب في تدهور العلاقات بين البلدين منذ اعتراف الرئيس الفرنسي بسيادة المملكة الشريفة على أقاليمها الجنوبية.
وإذ شرع “عبد المجيد تبون”، فمه واسعا واشترط على فرنسا، إلغاء موقفها من مغربية الصحراء لاستئناف العلاقات معها، فإنه انكفأ بعدما ضاقت به السبل وسدت الأبواب في وجهه، ووجد نفسه والـ”كابرانات”، مرغمين على القبول بواقع اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء واعتبار أمنها ضمن مشتملات أمن المملكة الشريفة.
ومع كثرة الجعجعة التي أثارها النظام العسكري حول الموقف الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي بشأن الوحدة الترابية للمملكة، أصبح الموضوع غير ذي أهمية، ولم يعد شرطا لازما لعودة المياه إلى مجاريها مع فرنسا، وقد أدركت الجزائر أن التصعيد لم يسفر إلا عن زيادة عزلتها الدبلوماسية والمزيد من فرض القيود على حركة مسؤوليها.
وسعى الرئيس الصوري في الجزائر، إلى احتواء الوضع مع فرنسا، بعدما تناهى إلى علمه إعداد الـ”ماما” للائحة تضم 800 مسؤول جزائري سيجري منعهم نهائيا من دخول أراضيها، فكان أن تراجع عن لغة الوعيد التي ظل يرددها، وكشف عن التناقض الصارخ بين شعارات العسكر وما يترجمونه على أرض الواقع.
وبعدما ضاقت ذرعا بتنطع حكام مقاطعتها السابقة، كانت فرنسا قررت المرور إلى السرعة النهائية، وأمهلت نظام الـ”كابرانات” للعودة إلى ديدنهم في الخضوع، إذ هددت بمنع مسؤولين رفيعي المستوى من ولوج أراضيها، غير أن الصحافة الفرنسية أفادت بان الرئيس الفرنسي، لم يقدم تعهدا بشأن حذف التخلي عن هذا القرار، رغم مداهنة “عبد المجيد تبون”، له.
ومثل ناشز، لهت كثيرا، عادت الجزائر إلى بيت طاعة فرنسا، من جديد، فكما أن قضية “بوعالم صنصال”، الروائي الفرنكفوني، كانت من بين مظاهر محاولة تمرد العسكر على البلد الذي ابتدع الجزائر، تغيرت نبرة الإعلام في الجارة الشرقية، وأصبح الروائي يقدم بـ”السيد” بعدما سبق ووصفه الرئيس “عبد المجيد تبون” بـ”اللقيط”.
وفجرت تفاصيل البلاغ الرئاسي الذي حذفه مستشار الرئيس “عبد المجيد تبون”، من حسابه على “فايسبوك” موجة من السخرية في العالم الافتراضي، وقد تندر رواده على فحوى البلاغ، الذي جاء بلغة تنم عن لهفة جزائرية للعودة إلى الحضن الفرنسي، ثم التقرب منها لأجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، رغم الخطاب العدائي الذي نهجه النظام العسكري ضدها والذي ثبت أن صياغته تمت من أجل الاستهلاك الداخلي، ليس إلا.
وكشفت تفاصيل المكالمة الهاتفية بين “إيمانويل ماكرون”، الرئيس الفرنسي و”عبد المجيد تبون”، الرئيس الصوري الجزائري، عن تخبط النظام العسكري الذي يكابد ليقنع الجزائريين أنه مالك لقراره، بينما هو مجرد خاضع يتفنن في تكرار سيناريوهات سياسة “النيف” الخاوية، فكما أنه يتنطع كثيرا، يعود في الأخير صاغرا، مثلما حدث مع إسبانيا، وليتكرر المشهد، من جديد، لكن بطريقة كاريكاتورية مع فرنسا.