الدار/ تحليل
في الوقت الذي شهدت فيه قمة سوتشي بين روسيا والدول الإفريقية تطورات إيجابية في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي، وأكدت الوثائق الرسمية على تعزيز العلاقات بين الطرفين على أساس المساواة واحترام السيادة، وجدنا أن بعض وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية قد اختارت أن تتبع نهجاً مغايراً، ملؤه التضليل والتشويه للحقائق.
القمة التي عُقدت في 10 نوفمبر 2024 في الأراضي الفيدرالية الروسية، لم تذكر في أي جزء من إعلانها “جمهورية الوهم” أو أي إشارة لما تروج له الجزائر من تصريحات غير دقيقة حول مواقف الدول الحاضرة. بل إن البيان المشترك أكد على احترام السيادة الوطنية للدول، ومبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يعكس التوجه الروسي والأفريقي المشترك نحو بناء شراكة على أسس متينة من المساواة والاحترام المتبادل.
ان فعلا “العالم الآخر، عالم الأكاذيب!”، حيث نشر الإعلام الرسمي الجزائري بعد قمة سوتشي تقارير تروج لتفاصيل غير صحيحة حول ما دار في القمة، حيث ادعى أن “جمهورية الوهم” كانت حاضرة في الاجتماع، وهو أمر غير وارد في نص البيان المشترك أو أي وثيقة رسمية مرتبطة بالقمة. وهذه المزاعم لا تتفق مع الحقائق المنشورة على الموقع الرسمي للحكومة الروسية أو الوثائق الدولية التي شاركت بها الدول الأفريقية وعددها 54 دولة التي تعترف بها الأمم المتحدة.
من خلال هذه الأكاذيب، يحاول الإعلام الجزائري خلق صورة مغلوطة عن الأحداث، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذه الحملات الإعلامية. هل هي محاولة لتهييج الرأي العام المحلي والخارجي، أم أنها نتيجة لضغوط سياسية داخلية؟ ما هو واضح هو أن الإعلام الجزائري قد اختار المضي في نشر الأخبار الكاذبة، دون أي اعتبار للمنهجية الصحفية الموضوعية التي يجب أن تتحلى بها وسائل الإعلام الرسمية.
أما في ما يخص البيان الرسمي الصادر عن القمة، فقد جاء مفعماً بالمفاهيم التي تعكس التوجهات المستقبلية للعلاقات بين روسيا والدول الأفريقية. التأكيد على تعزيز التعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات، من بينها الأمن الدولي ومكافحة الإرهاب، فضلاً عن تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال مشاريع مشتركة في إطار الأجندة الخاصة بالاتحاد الإفريقي، يعكس رغبة حقيقية في بناء شراكة قائمة على المصلحة المشتركة.
وما يلفت الانتباه في البيان هو دعوة روسيا والدول الإفريقية إلى ضرورة تطوير نظام دولي جديد يكون أكثر عدلاً، يعترف بالمساواة بين الدول ويحترم سيادتها. كما أن البيان استعرض القضايا الحيوية مثل دعم الأمن الدولي، ومكافحة الإرهاب، وتوسيع التعاون في مجالات الفضاء والتنمية المستدامة.
مثل هذه الأخبار الكاذبة على الاعلام الرسمي للعالم الآخر يمكن أن تؤثر سلباً على العلاقات بين الجزائر وبقية الدول المشاركة في القمة، وتضعف مصداقية وسائل الإعلام المحلية في عيون المجتمع الدولي أكثر ما هي ضعيفة في مصداقيتها ومعروفة عالميا بأكاذيبها. إذ أن التلاعب بالحقائق والترويج لأخبار مغلوطة يتناقض مع المبادئ الأساسية للصحافة، ويزيد من تكريس صورة الجزائر كداعم لمواقف بعيدة عن الواقع.
وبينما يسعى الإعلام الجزائري إلى التلاعب بالحقائق، يبقى إعلان قمة سوتشي شاهداً على الأهمية الكبيرة التي توليها روسيا والدول الإفريقية لعلاقاتها المستقبلية. فالتعاون بين موسكو والقارة السمراء لن يكون مشروطاً بالمزايدات السياسية أو الإعلامية، بل سينمو وفقاً للمصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وعلى الجزائر أن تعي أن الحقيقة هي الأساس في بناء علاقات دولية ثابتة وقوية.