الأغنية الشعبية بالنسبة لسعيد المغربي هي نمط يحتك بشكل مباشر مع الناس والجمهور ومع الإحساس الجمعي، أما الأغنية ذات الشكل الواحد كالملحون والطرب الأندلسي والغرناطي.
*عزيز أجهبلي
لكي لا يقول قائل إني أتطفل على مجال لا أستطيع الخوض فيه، لكن سوف أحكي عنه استنادا إلى ما احتفظت به لنفسي من معلومات عن الأغنية الشعبية، استقيتها من لقاء بمدينة المحمدية قبل ثلاث سنوات، تحديدا في أبريل 2022، جمعني بالباحث في الموسيقى المغربية الفنان سعيد المغربي، الذي استمعنا إليه وغنينا معه أيام المرحلة الجامعية وما بعدها من خلال “الكاسيت” وآلات التسجيل ذات مكبر الصوت الواحد أو مكبرين إثنين.
سعيد المغربي هو صاحب «ولدك ألالة، ” أم الوطن”، “المعطي”، “رحال”، “سعيدة” و”عبد الكريم يا عاشق الوطن”، قال لي إن الأغنية الشعبية المغربية استطاعت أن تسير على نهج وتعابير موسيقية مغربية وإيقاعية، في المقابل يمكن القول أيضا إن الأغنية العصرية لم تستطع تحقيق ذلك الانتشار الواسع على مستوى الإذاعة والتلفزة في السبعينيات والثمانينات، لكنها استطاعت تحقيق انتشارها بأسلوب أصبح متعارفا عليه، وهو شكل من أشكال الغناء الذي أصبح المغرب يصدره إلى الخارج، واستطاعت هذه الأغنية حل مشكلة اللهجة أو اللغة المغربية ومشكل الحصار الذي كان مضروبا على الأغنية المغربية في السابق.
وعن مميزات هذه الأغنية، قال أيضا إنها قابلة للتجاوب مع الحس أو المشاعر الشعبية والوطنية، وهذا في رأيه ما يميزها ويمنحها خصوصية معينة، بما في ذلك طريقة التعبير الموسيقي البسيطة جدا، التي من خلالها تمكنت من إثبات ذاتها، وأكدت على كونها نموذجا، مبرره في ذلك أن موسيقى كل الشعوب تؤدى بطريقة بسيطة، في جميع بقاع العالم سواء في أمريكا أو في أوروبا وفي آسيا أيضا، لأن هذا النوع من الموسيقى يبسط الإيقاع والحس الموسيقي الشعبي العام.
الأغنية الشعبية بالنسبة لسعيد المغربي هي نمط يحتك بشكل مباشر مع الناس والجمهور ومع الإحساس الجمعي، أما الأغنية ذات الشكل الواحد كالملحون والطرب الأندلسي والغرناطي، حسب تعدد الأشكال الموسيقية بالمغرب، بقيت نمطية، بحكم نمطية شكلها. وبقي وجودها في تاريخ المغرب محدودا تقريبا والحصيلة نسبية طبقا لتجربة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما تم التعامل بنوع من الاعتبار لهذه الأشكال إلى درجة أنها اكتسبت رصيدا وشعبية وموقعا داخل التعدد الموسيقي.
المغربي يعتبر وجود هذه الأغنية وبقاؤها شكلا من أشكال الانتصار.
الأغنية الشعبية منتصرة ضمنيا على كل الأشكال التي تدحض دورها التاريخي كتعبير عن المشاعر والأحاسيس حتى الدينية منها، لكن المشكلة هي أن المغرب لم يعش ولم يعان من حدة الموقف الديني من الغناء ومن الموسيقى كذلك، لأن القوة الجماهيرية أدت إلى استثمار هذه الأنواع الموسيقية، من طرف الشعوب لأنها جزء من الحياة الاجتماعية، وجزء من الفرح والحزن، ولهذا تصعب مناهضتها خاصة عندما يتعلق الأمر بالموقف الديني.
وحتى الكتابات التاريخية وعدد من المراجع في هذا الصدد، كابن الدراج السبتي الذي كتب كتابا خاصا، دافع فيه عن الموسيقى، ومحمد بن الحسين الحائك نفسه في “كناشه” يبرر وجود الموسيقى انطلاقا من سند مرجعي ديني إسلامي بما في ذلك دور الموسيقى في حياة الصحابة، ولكن هذا الكتاب بقي معزولا بحكم طغيان الشفوي على المكتوب.
ولهذا السبب نلاحظ أن حدة التناقض أو التضاد ما بين الموقف الديني والموسيقي بقيت مضمرة. حتى الموسيقى لم تتخذ أيضا موقفا من الدين، فعلى العكس عضدته ودعمت المواضيع الدينية وما أكثرها.
إذا عدنا إلى العديد من النصوص الموسيقية المغربية، نجد أن 80% منها تقريبا نصوص دينية، وهذا ما يؤكد أن هناك نوعا من التراضي أو التوافق على حد أدنى من ممارسة العمل الفني.
بالنسبة لقضية التجديد عند سعيد المغربي تظهر من خلال مجموعة من القطع على مستوى الأسلوب الغنائي، وتجاوزه لمظاهر التقليد في النظام الموسيقي المغربي، فحين ننظر إلى عدد من القطع الموسيقية نلاحظ أنها تتميز بتركيبها المعقد، وأن هناك إرهاصات، وبدايات أساسية في المنحى التجديدي، وقد اشتغل عليها بمواد مختلفة نسبيا عن البناء اللحني للموسيقى المغربية التي كانت معروفة بصفة (فراش وغطا).
في إطار التجديد، ما يفسر رأي صحة كلام سعيد المغربي هو ان التمايز والاستمرارية في الآن نفسه في أداء عدد من شيوخ وشيخات فن “العيطة” لأغنية “العمالة” باعتبارها قطعة أصلية.
فالاختلاف في الأداء لم يفسد تجذر هذه الأغنية في التربة المغربية، شأنه شأن أنماط أخرى من الأغنية المرتبطة بفنون جماعية كأحواش أو أحيدوس.
* عزيز اجهبلي ( العلم )