بقلم: ياسين المصلوحي
لم تكن الغارات الأمريكية البريطانية على محافظات اليمن، ابتداءً من 15 مارس الجاري، والتي خلفت عدة ضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح، إلا تحصيل حاصل لسلسلة من التهديدات الأمريكية منذ عودة ترامب للبيت الأبيض وتصاعد استفزازات الحوثيين من خلال بعض الرشقات الصاروخية، والخطر الذي يشكلونه على الملاحة البحرية في البحر الأحمر باستهدافهم لبعض السفن التجارية بالصواريخ وإغراق بعضها واحتجاز طواقم أخرى.
منذ سنة 2011، وكنتيجة لموجة الربيع العربي التي انتهت بموت علي عبد الله صالح، واليمن يعيش حالة من الفوضى والاقتتال، نتجت عنها سيطرة شبه كلية على اليمن من طرف جماعة أنصار الله الحوثي، ذات التوجه الشيعي الموالية لإيران، لتتمكن هذه الأخيرة من توسيع نطاق حلفائها في الشرق الأوسط بين حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، وما يشكله ذلك من قوة استراتيجية إقليمية.
هذا التحول في التوجه والموالاة أثر على مكانة اليمن بين الدول العربية، بل تعداه إلى معاداة للسعودية تجلى في رجمها بعدة صواريخ في العمق السعودي، نتج عنه قصف سعودي إماراتي فيما سمي بعاصفة الحزم سنة 2015، مما أدى إلى تدمير واسع في اليمن، وتدهور الحالة الإنسانية والخدماتية والبنية التحتية، ولم يؤدِّ إلى القضاء النهائي على جماعة الحوثي بسبب الدعم الذي يتلقاه من إيران، العدو الاستراتيجي للسعودية.
يأتي الهجوم الأمريكي على جماعة عبد المالك الحوثي في فترة دولية خاصة بالنسبة للرئيس ترامب، في محاولة منه لصنع انتصار معنوي وشكلي بعدما فشل في مجموعة من القضايا الدولية، حيث لم يتمكن بعد من إقناع المنتظم الدولي بفكرة تهجير الفلسطينيين وانتزاع شرعيتها، كما أنه لم يتمكن لحد الآن من تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا، زد على ذلك جو التوتر الدبلوماسي مع دول الاتحاد الأوروبي.
هذا الوضع المنزوي لأمريكا دفع بترامب إلى محاولة خلق فجوة للهروب من الفشل الدولي، وتصريف أزمة العزلة الدولية مع الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي. كما أن أمريكا طالما هددت باستهداف إيران، إلا أنها لم تقم أبداً بالهجوم المباشر عليها، بل تستهدف أذرعها الإقليمية فقط، فتشن حرباً على إيران فوق أرض أخرى، فلا تتضرر إيران نهائياً، ولا تتحمل أي خسائر مباشرة.
إن كل الفاعلين الإقليميين الموالين لإيران لم يتفهموا بعد أنهم مجرد أوراق ضغط ووسائل تفاوضية تستعملهم الدولة الصفوية في مناقشة قضاياها الدولية وإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط. وخير مثال على ذلك تخليها عن حزب الله، الذي تم استنزاف قياداته بالاغتيالات، وعدم دعم بشار الأسد خلال انهيار نظامه، واغتيال إسماعيل هنية على بُعد أمتار من القصر الرئاسي الإيراني في طهران. إن الثقة في النظام الإيراني لن تؤدي إلا إلى خوض حروب بالنيابة عنه، وتكبّد خسائر بشرية ومادية فادحة لا تدفع فيها إيران أي ثمن.
للأسف، فإن المواطن اليمني البسيط، الذي لا يوالي لا الحوثيين ولا غيرهم، وهمّه الوحيد هو العيش الكريم الآمن وتوفر الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وبنية تحتية، هو المتضرر الأول والوحيد من هذه التقلبات السياسية والعسكرية. فلم يكد يتعافى من مخلفات عاصفة الحزم والاقتتال الداخلي حتى وجد نفسه تحت رحمة القصف الأمريكي على المدنيين.
فإن كانت أمريكا تريد إضعاف إيران أو القضاء عليها، فما عليها إلا توجيه بارجاتها وراجمات صواريخها إلى طهران وأصفهان ويزد وغيرها من المحافظات الإيرانية، عوض دفع المدنيين العرب لفاتورة التوتر الأمريكي الإيراني. كما أن انفصال النظام الرسمي اليمني عن الوحدة العربية جعله يواجه هذه المخاطر بمفرده، دون حصوله على الدعم العربي ولا التغطية. فلو كان لا يزال منخرطاً في الأسرة العربية، لوجد من يدافع عنه ويفاوض نيابة عنه، بل كانت أمريكا لتفكر ألف مرة قبل الإقدام على هذه العملية العسكرية.
كما أن المجتمع الدولي يقف عاجزاً أمام الاعتداء الأمريكي على المدنيين، على اعتبار أن القصف لا يفرق بين مدنيين عاديين ولا أتباع للحوثي، بل إنه يتخذ شكلاً عشوائياً على الأحياء المدنية. فها هي أمريكا، راعية الحضارة والمدافعة الأولى عن الديمقراطية، تخرق القوانين الدولية والاتفاقيات الحقوقية والإنسانية، وتقوم بهجوم عسكري دون الحصول على قرار أممي أو من مجلس الأمن، مما يجعل قيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية مزاجية، يتم استعمالها وقتما كان ذلك في صالحهم، ويتم تغييبها وقتما أرادوا ذلك.