الخميس, مارس 27, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربياليسار الجديد بالمغرب (3).. التعذيب والسجن ينهي تجربة "الحلم والغبار"

اليسار الجديد بالمغرب (3).. التعذيب والسجن ينهي تجربة “الحلم والغبار”


بالرغم من كل الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم)، والسرية التي أحاطت نفسها بها، إلا أنها سرعان ما ستجد نفسها في فوهة مدفع الأجهزة الأمنية المغربية، لتنطلق إثرها حملات اعتقال واسعة على مراحل متفرقة، توجت بتوزيع قرون من السجون، وعشرات أحكام المؤبد والإعدام.

الحلم الثوري الذي عانقه عشرات الشباب والمثقفين المنتمين إلى منظمة “إلى الأمام” و”23 مارس” و”لنخدم الشعب”، والتصور المثالي عن المجتمع المنشود، سرعان ما اصطدم بالواقع العنيد، إذ وجد أغلب هؤلاء أنفسهم تحت سياط الجلادين بدرب مولاي الشريف والمعتقلات السرية، تحت وقع التعذيب في شروط لا إنسانية.

المنظمات الثورية التي اعتمدت على السياق الدولي الذي كان يعرف مدا ثوريا كبيرا، والسياق الوطني الموسوم بالانقلابات العسكرية، والظرف الاقتصادي والاجتماعي الصعب، والاحتضان الذي لقيته بين الطلبة والتلاميذ والمنظمات الجماهيرية، قدرت أن الجماهير المغربية في صفها وأن من مصلحتها التغيير الجذري، إلا أن القراءات اللاحقة ستؤكد طوباوية بعض الأحكام، وأن الشروط لم تكن ناضجة بالقدر الكافي لتنبي اختيارات معينة، أبرزها العنف الثوري، وأن موازين القوى كانت لصالح النظام.

عمر قصير وأحلام نبيلة..

في قراءته لهذه التجربة، يؤكد عبد العزيز كوكاس، الكاتب والإعلامي المغربي، لجريدة “مدار21″، أن التجربة الثورية للمنظمات الماركسية،  “كان عمرها قصير وتم الكشف بسهولة عن بنية هذه المنظمات الثورية، ما أسفر عن ضريبة كبيرة أداها كل الذين تم اعتقالهم في درب مولاي الشريف والمعتقلات السرية”.

وأبرز المتحدث أنه “تم تفكيك التنظيمات في بداياتها الأولى، ما جعل عبد القادر الشاوي يسميها في كتابه حول اليسار الجديد بتجربة “الحلم والغبار”، وهذا عنوان دال، ذلك أن إلقاء شرطي عادي القبض على شخص يمتطي دراجة نارية بدون توفره على الأوراق أدى إلى اعتقال نصف أعضاء التنظيم وشل التنظيم كلها”.

ويقدر كوكاس بأنه “كانت هناك أخطاء لدى هذه التنظيمات أسفرت عن تلك المآلات، لكن مع ذلك لا يمكن أن نمنع جيلا من الحلم، أو نمارس الوصاية عليه، فهذه كانت أحلام أكثر من الممكنات”، مفيدا أن الأحلام كانت أكبر من شروط التغيير في الواقع الذي اتسم بشروط معقدة ضمن البنية المغربية”.

ويضيف كوكاس أن الشروط التي وسمت تلك المرحلة جعلت الحركة الماركسية اللينينية “معزولة وغير محتضنة من طرف الشعب، إضافة إلى أن الشعارات كانت كبرى غير أن الإمكانيات لم تكن في حجمها”، موضحا أن تبني العنف الثوري يعني الدخول إلى سياق آخر ويتطلب شروطا أخرى ووسائل وإمكانيات كبيرة لم تكن متوفرة لدى هذه التنظيمات.

ويعتبر الكاتب والإعلامي المغربي أن تبني هذه التنظيمات اليسارية لهذه التقديرات والاختيارات السياسية “كان فيه سوء تقدير”، واصفا الوضع بأنه “أحلام كبرى في غير السياق الموضوعي الذي فرض شروطا معرقلة، ذلك أن المغرب كان أبعد من التحول إلى بؤرة ثورية يمكن أن تقلب النظام أو تقضي عليه بالعنف الثوري”.

ومع ذلك، يُصر كوكاس على أن “هذا الجيل كانت له أحلامه التي لا يمكن ممارسة الوصاية عليها، إذ أن التاريخ هو الذي يمكن أن يحكم عليهم، غير أن الثابت هو أن التجربة انتهت تحت قمع شديد وانتفت شروط وجودها، نتيجة سوء تقدير للأوضاع، وعدم التعمق في دراسة الوضع بشكل كبير”.

وضمن أسباب الفشل، يضيف كوكاس أن تجربة “الحملم” كانت تركز على النقاشات النظرية أكثر من التركيز على فهم الواقع”، مبرزا أنه كان هناك نوع من الاستغراق النظري في القضايا الكبرى أكثر من فهم حقيقي للواقع”.

ويسترسل “كانت النظرية الاشتراكية تمنح المنتمين إلى هذه المنظمات نوعا من الاطمئنان الإيديولوجي، وإغراءا جميلا ونبيلا”، مفيدا أنه “لا ينبغي إنكار أن هؤلاء قدموا تضحيات جسيمة ومنهم من ماتوا في المعتقلات ومن قضى سنوات طويلة من الاعتقال، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تسفيه أحلام جيل معين قطعا”، مبرزتا أن الأخطاء تبقى “وليدة لسياق مجتمعي بأكمله”.

قرون من السجن وإضرابات طعامية..

مع تصاعد المد الثوري الماركسي اللينيني، خاصة وسط الطلبة والتلاميذ، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة في صفوف اليسار الراديكالي المغربي، والتي يرصد مؤلف “منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية المغربية من التأسيس 1970 إلى الحل العملي 1994 كرونولوجيا سياسية” أبرز حلقاتها.

إلى جانب حملة الاعتقالات الكبرى التي شهدتها المرحلة، خاصة ما عُرف بـ”محاكمة مراكش” الكبرى”، يشير المؤلف إلى أنه في يونيو 1971، سيتم اعتقال 33 من أعضاء الحركة على إثر النضالات التي عرفتها الثانويات بمراكش، وكذلك الإضراب العمالي المشهور لعمال قطارة في أبريل 1971، كما يلفت إلى انطلاق حملة اعتقالات يناير – ماي 1972، إذ شهدت المرحلة اعتقال عدد من القياديين البارزين منهم فؤاد الهلالي، وعضوي الكتابة الوطنية عبد اللطيف اللعبي وأبراهام السرفاتي، وكذا اعتقال عضو اللجنة الوطنية عبد الفتاح الفاكهاني، واعتقال مجموعة “صوت الكادح”، وهي جريدة سرية أصدرتها مجموعة انشقت عن منظمة 23 مارس”، وعرفت بعد ذلك بفصيل “النخدم الشعب”، إضافة إلى اعتقال مجموعة أنيس بلافريج، واعتقال مجموعة “الوكالة الشعبية للأخبار”، وكذت اعتقال كل المتعاونين مع مجلة “أنفاس” في مراحل زمنية متفرقة.

المرحلة شهدت سقوط مجموعة من خلايا المنظماث الثورية في يد الأجهزة البوليسية، بمكناس وخنيفرة والدار البيضاء والقنيطرة..، وبعد أشواط من التعذيب في المعتقلات السرية، سيتم ترحيل مجموعة معتقلي 72 للحملم إلى سجن غبيلة بالدار البيضاء، وبعد محاكمة 1973 نقلوا إلى السجن المركزي بالقنيطرة في فبراير 1974.

المرحلة شهدت كذاك في 24 يناير 1973 إعلان قرار حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وانطلاق الحظر العملي للمنظمة، إضافة إلى مسلسل اعتقالات وسط النقابة الوطنية للتلاميذ.

الاعتقالات الشرسة لم توقف الحركة الثورية، إذ استمر التصعيد الاحتجاجي بالشارع، إلى جانب معارك المعتقلين بالسجون، إذ دخلت المجموعة 44، وهم معتقلو الحملم في النصف الأول من سنة 1972 المتواجدون بسجن غبيلة بالدار البيضاء في إضراب عن الطعام دام هذا الإضراب 31 يوما إلى يناير (1973)، وكان أول إضراب عن الطعام للمعتقلين السياسيين في تاريخ الاعتقال السياسي بالمغرب. إضافة إلى إضرابات طعامية أخرى أنهت حياة عدد من المنتمين للحركة.

التهم التي وجهت للمعتقلين كانت “المس بأمن الدولة، حيازة الأسلحة وصنع متفجرات، والتآمر ضد النظام..”، وصدرت أحكام مشددة، منها التي همت معتقلي حملة النصف الأول من سنة 1972، 81 معتقلا منهم 25 حكم غيابي بالسجن المؤبد (من ضمنهم أبراهام السرفاتي وعبد اللطيف زروال). والحكم على عبد اللطيف اللعبي وعلى فقير بـ 10 سنوات، وعضو الكتابة الوطنية أمين عبد الحميد الذي حوكم ب 15 سنة، في حين حوكم المنصوري عبد الله وعبد الفتاح الفاكهاني بخمس سنوات موقوفة التنفيذ.

حملة الاعتقالات والأحكام المشددة ستؤدي بأعضاء الحركة الماركسية اللينينية المغربية إلى القيام بمراجعات نظرية وسياسية، أسفرت فيما بعد بروز عدد من التنظيمات اليسارية في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات