الثلاثاء, مارس 11, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربياليسار الجديد بالمغرب (1).. عندما سعت منظمات ثورية للإطاحة بالحسن الثاني

اليسار الجديد بالمغرب (1).. عندما سعت منظمات ثورية للإطاحة بالحسن الثاني


خلال نهايات ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي كان الهوى السائد سياسيا بالمغرب يساريا بالضرورة، واستقر رأي فئة من المثقفين والشباب على أن الحل الأمثل لمختلف المعضلات الاجتماعية هو بناء النظام الاشتراكي الذي يضع سلطة القرار في يد الأغلبية؛ يد العمال وحلفائهم الموضوعين من الفلاحين وباقي الطبقات المهمشة، ويعتمد التوزيع العادل للثروة، وغيرها من المبادئ التي تنبي عليها الحياة الكريمة، وفق المنظور اليساري.

وحتى لا يبقى الحلم حبيس الأفكار والتنظيرات، كان المغرب على موعد مع ظهور تنظيمات يسارية راديكالية، سعت إلى تنزيل رؤيتها للمجتمع المثالي عبر العمل على إسقاط نظام حكم الملك الحسن الثاني، كسبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، معتمدة في ذلك التخطيط السري والاسترشاد بالمنهج الماركسي اللينيني، غير أن هذه التجربة سرعان ما انكشف أمرها لتليها فيما بعد حملة من الاعتقالات والقمع وتوزيع قرون من السجن على عشرات اليساريين.

التجربة التي انتهت عمليا تحت وقع الحصار الذي فرضته الدولة، بصمت على تضحيات جسام ساهمت في التراكم الديمقراطي والحقوقي بالمغرب، وانتمى إليها مثقفون وأطر وكفاءات مغربية، مضى بها مصيرها السياسي إلى مقصلة المحاكم، وإلى أقبية التعذيب، ومعارك الجوع، فارتقى البعض في المعركة بينما ظل آخرون يلعقون جراح تجربة “الحلم والغبار”، فيما اختار آخرون العودة إلى الفعل السياسي بصيغة أخرى، بعد مراجعات عميقة.

مناخ عالمي مساعد

يرى الكاتب والإعلامي المغربي عبد العزيز كوكاس أن عوامل خارجية عديدة تكتلت فيما بينها لتكون حافزا على الاستقطاب الذي أسفر بروز اليسار الجديد في المغرب، وأدى إلى خروج منظمة (أ) من قلب الحزب الشيوعي المغربي، الذي كان يسمى حينها حزب التحرر والاشتراكية، حيث انشقت مجموعة كبرى من اليساريين عن الحزب، بينهم أبراهام السرفاتي وآخرون وأنشؤوا منظمة سرية هي التي ستحمل اسم “إلى الأمام”.

في سياق متصل، يفيد كوكاس، خرج من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية جزء من الطلبة والأساتذة والطبقة المتوسطة، وهي المجموعة التي ستشكل منظمة (ب) التي ستصبح فيما بعد منظمة 23 مارس. هذه الجذور تجعل كوكاس يذهب إلى أن هاتين المنظمتين انبعثتا من الحركة الوطنية بأفق مغاير وبإيديولوجية اشتراكية وشيوعية.

المغرب لم يكن جزيرة معزولة ضمن عالم تتنازعه القوى الرأسمالية بقيادة أمريكا والقوى الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي، في حرب لم تكن باردة إلا على من أداروها من مكاتبهم، بل كان بيتا بأبواب مفتوحة، ما جعله حقلا لتجربة زراعة الفكر الاشتراكي، في مناخ مساعد من الرياح اليسارية القادمة من شتى البقاع.

هذا ما يؤكده عبد العزيز كوكاس، وهو يشرح سياق بروز اليسار الجديد بالمغرب، الذي كان مطبوعا بعدد من الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، مستحضرا بروز عدد من التجارب والنماذج الثورية التحررية في العالم، منها نجاح الثورة الصينية بقيادة ماوتسي تونغ، ونموذج كوبا مع فيديل كاسترو وإرنستو تشي جيفارا، إضافة إلى عدد من التجارب بأمريكا اللاتينية التي استندت إلى الخيار الثوري لتحقيق الاشتراكية وانتصار العمال والفلاحين كحلف موضوعي.

ويشير كوكاس إلى زيادة إشعاع النموذج الثوري في العالم مع انتصار حركة التحرر بقيادة هوشي منه في فيتنام ضد أعتى قوى الاستعمار، ثم نجاحات باقي حركات التحرر التي كانت تمثل منارة للاستقطاب، على اعتبار أنها كانت تعتمد على النظرية الاشتراكية كنموذج مغري في تلك الفترة، إضافة إلى نجاح عدد من البلدان في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا في إرساء نماذج اشتراكية إما عبر الانقلابات أو عبر ما كان يعرف بالخيار الثوري المسلح.

هناك بعد آخر، ضمن السياق العالمي، يستحضره كوكاس، مرتبط بما حدث في أوروبا، وخاصة في باريس الفرنسية، عبر ما سمي حينها بثورة الطلاب في ماي 1968، إذ كان لهذه الثورة التي خرجت من الجامعات صدى كبير في عدد من البلدان بأوروبا وأيضا بالعالم الثالث، والمغرب بدوره تأثر، خاصة أن جزء مهم من المنتمين إلى اليسار المغربي كانوا يدرسون بالجامعات الأوروبية.

وهج فلسطيني.. وخيبة الهزيمة

الوضع الإقليمي، لم يكن استثناء، إذ كانت القضية الفلسطينية نموذجا للمقاومة والصمود الاستثنائي، وفق كوكاس، وكانت مختبرا للتجربة الثورية، والأكثر من ذلك لعبت إلى جانب بلدان عربية أخرى دورا كبيرا في انتشار الفكر التحرري عبر الترجمة والأدب والفن الملتزم والجرائد وغيرها.

ولم يكن شمال إفريقيا والشرق الأوسط بمعزل عن بروز بعض التجارب العربية القومية والاشتراكية في مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها، والتي كانت مصدر عدد من الشعارات الحماسية التي وجدت هي الأخرى صداها في المغرب.

غير أن هزيمة 1967 التي منيت بها الجيوش العربية أمام إسرائيل كانت بمثابة الصفعة القوية التي جعلت أسهم الراديكالية اليسارية ترتفع، إذ فرضت بدورها الانتقال إلى خيار آخر، وهو الخيار الاشتراكي الثوري، يورد كوكاس.

احتقان سياسي وأزمة اقتصادية بالمغرب

وطنيا، لم يكن السياق عاديا، فالمواجهة مستعرة بين القصر والحركة الوطنية، خاصة بعد صدمة ما بعد الاستقلال، الذي ذهب جزء كبير من المناضلين إلى أنه “استقلال شكلي”، متأسفين على عودة الاستعمار من النافذة وتمكين خونة الأمس من المكاسب مقابل إقبار جيش التحرير، وإخماد انتفاضات ضد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أبرزها انتفاضة 23 مارس 1965 التي دشنها التلاميذ واتسعت رقعتها.

توصف تلك الفترة من تاريخ المغرب بمثابة انتهاء “لعبة الغميضة”، صعدت خلالها أحزاب الحركة من لهجة المعارضة، وقاطعت أول دستور للبلاد، ونفذت الدولة بالمقابل حملات اعتقالات، لاسيما تلك التي تمت ضمن ما يعرف بمؤامرة اغتيال ولي العهد، وما تلى ذلك من أحكام مشددة بالإعدام والمؤبد، فيما كان الاختيار الثوري للمهدي بنبركة يكتسب جدواه شيئا فشيئا.

وفي ظل هذه الأوضاع، قرر الحسن الثاني إعلان حالة الاستثناء وحل البرلمان في السابع من يونيو 1965، وبرر ذلك بضرورة الحفاظ على الاستقرار والنظام العام في البلاد، وهو ما يعني تعطيل كل آليات الرقابة التشريعية واستفراد المؤسسة الملكية بإدارة شؤون البلاد مدعومة بالجيش وقوات الأمن.

يسار جديد لإسقاط النظام

ضمن هذا الزخم، تشبع عدد من مؤسسي اليسار الجديد بخيار الاشتراكية الثورية، إذ بات هؤلاء يرون أن “الأحزاب المغربية لم يعد لديها ما تقدمه، وأنها تواطأت مع القصر وأنها أحزاب إما رجعية أو إصلاحية مما يؤدي إلى التواطؤ وتقوية نظام الحكم وغيرها من الرؤى والأحكام التي كانت تصدر عن هؤلاء القادمين الجدد إلى الفعل السياسي الجديد”، يفيد عبد العزيز كوكاس.

ويبرز كوكاس أن جزءا كبيرا من هؤلاء اليساريين الثوريين “كانوا طلبة بالجامعات المغربية وأساتذة وتلاميذا، وهم الفئات المندفعة والمملوءة بالأحلام والحماس، لذلك رأوا أن الأحزاب الوطنية، وخاصة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية، لم تعد لديها القدرة على تأطير الجماهير ولا تملك الأدوات  الأساسية للتحول إلى أحزاب البروليتارية”.

كان الاختيار الثوري الذي كتبه المهدي بنبركة، الذي يؤكد أن النظام الذي يحكم المغرب ليس له من حل إلا إسقاطه، نموذجا محفزا حينها. وهذا السياق ولد الدينامية اليسارية التي سيكون لها بروز كبير خاصة في الحركة الطلابية والحركة التلاميذية بالمغرب.

يتبع…



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات