أصبحت أزمة الهجرة القروية في تزايد مستمر، مع تسجيل تعثر وتأخر مشاريع التنمية بالعديد من المناطق القروية النائية، ما يضاعف معاناة السكان مع تبعات غياب البنيات التحتية، ومشاكل البطالة وارتفاع نسبة الهدر المدرسي، خاصة في صفوف الإناث، والاعتماد على قطاعات غير مهيكلة والفلاحة المعيشية التي لا تكفي لسد الحاجيات الضرورية، وسط جدل نجاح تنزيل البرامج التنموية التي صرفت عليها الملايير من المال العام.
هناك مجهودات بذلتها المصالح الحكومية، تنزيلا للتعليمات الملكية السامية، في مجال التنمية القروية التي تضمن الاستقرار والتطلع لمستقبل أفضل، لكن تبقى النتائج بعيدة عن انتظارات السكان، خاصة في مجالات التربية والتعليم والكهرباء وتعميم نقاط التزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، إلى جانب أهمية التجهيزات وتحديث القطاع الفلاحي وتربية الماشية، وذلك في إطار المخطط الأخضر، وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ووكالات التنمية.
وتعاني المناطق القروية التي تشهد ارتفاعا في نسبة الهجرة من ارتفاع معدل الأمية في صفوف السكان، خاصة النساء، واتساع دائرة الفقر والهشاشة بالعديد من المناطق الجبلية النائية، وضعف الخدمات العمومية والعزلة، ما يتطلب رصد ميزانيات مهمة من المال العام، بعد تحديد مجالات التدخل بدقة، والعمل على رسم استراتيجية واضحة للتنمية تنطلق من معطيات ومؤشرات ميدانية.
هناك حاجة ماسة إلى حسن تتبع صرف ميزانيات التنمية القروية، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة بخصوص النتائج المسطرة في مجالات التشغيل، والرفع من جودة الخدمات العمومية، والتنمية السياحية، وحسن استغلال المؤهلات، وتشييد المرافق العمومية والفنادق المصنفة، والتعامل مع تحديات المناخ، وحل المشاكل التعميرية التي تقف عائقا أمام تخفيض أرقام البطالة، وتسريع تحديد الأراضي السلالية وحل مشاكلها وتسهيل التقسيم، ودعم المشاريع التنموية القروية.
إن تبعات الهجرة القروية كارثية على مستوى عودة مشاكل دور الصفيح والبناء العشوائي، وانتشار أحزمة الفقر والجريمة والتطرف، وكافة الظواهر المشينة بهوامش المدن، ما يتطلب التعامل بشكل جدي مع الظاهرة، وتحقيق هدف العدالة المجالية في توزيع المشاريع التنموية، والعمل على هيكلة القطاع الفلاحي، والتدبير الأمثل للثروة المائية، ومواكبة تحديث القطاعات المرتبطة بالقرى، بواسطة التكوين والتجهيز والدراسة والبحث العلمي والتشجيع عليه.