جددت المركزيات العمالية “الكبرى” بالمغرب، خصوصا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، موقفها الرافض “قطعا” لصيغة الحكومة الحالية من مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب كما وافق عليه مجلس النواب، وشددت على “ضرورة عودة المشروع إلى طاولة الحوار الاجتماعي”، خلال يوم دراسي نظمته لجنة التعليم بمجلس المستشارين اليوم الأربعاء.
مكتسب تاريخي
يونس فيراشين، عضو اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أشار حين تناول الكلمة خلال اللقاء الدراسي إلى “مواصلة الحكومة إغفال آراء المؤسسات الدستورية، خصوصا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما أن المغرب يعد الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية 87″، موردا أن “مقتضيات مشروع القانون لا تبدو أنها تعترف بمقتضيات هذه المنظمة”.
ولفت فيراشين في مداخلته إلى المكتسب التاريخي المتصل بالإضراب، مبينا أن “هناك تجربة مغربية؛ فمنذ الاستقلال إلى الآن مارست النقابات هذا الحق وضمنت الحد الأدنى للخدمة”، وقال: “لم تكن هناك تجربة تم المساس فيها تماما بهذا الحق، خصوصا في المرفق الصحي”، وزاد: “الأمر ينطلق أساسا من بعد أخلاقي ومسؤولية وطنية للعمال. وهذا التراكم التاريخي نفتخر به كحركة نقابية أمام العالم، ولا يجب أن نضع نصا يخلق مشاكل وإنما نحتاج نصا يجيب عن الإشكالات”.
وسجل الفاعل النقابي أن النص المحال من مجلس النواب يقترح نسخة جديدة، “لكنه يغفل بعض المقتضيات التي تقرها لجنة خبراء منظمة العمل الدولية، وهي أن المرجعية الأساسية هي ربط الحق النقابي بحق الإضراب، لأن الإضراب جزء من الحقوق النقابية”، مشيرا إلى أن “تحديد مدة الإضراب يطرح بدوره مأزقا جديدا؛ فمنظمة العمل الدولية لم تعط إمكانية تحديد المدة، كما أن وضع تعريف للإضراب في المشروع يمنع إضرابات أخرى، بما فيها التضامني”.
وشدد النقابي سالف الذكر على ضرورة أن “يكون التعريف عاما عوض تعريف للعمال وآخر للمهنيين، وينسحب الأمر أيضا إلى النقابة الأكثر تمثيلية. هذا الأمر يطرح مشكلا في القطاع العام”، منتقلا إلى موضوع “احتلال أماكن العمل” ليقول إن “هذا الأمر غير مفهوم، ويوحي بأن الغير هو من يحتل الفضاء، وهذا المقتضى بالتحديد نعتبره قابلا لكل تأويل”، مبرزا “مشكلة أخرى مرتبطة بالتمييز الإيجابي لفائدة غير المضربين، الذي يعد نوعا من العقاب للمضربين، والمشروع لم يشر إليه”.
واعتبر المتحدث أن “العقوبات الحبسية مستمرة في المشروع وإن بطريقة مغايرة، لأن العقوبات المالية يمكن أن تتحول إلى عقوبات حبسية بحكم الإكراه البدني، كما أن المقاول يمكنه دفع الغرامة والدوس على حقوق المضربين”، خالصا إلى “وجود الكثير من الثغرات تحتم أن ينال المشروع حقه في النقاش داخل المؤسسة التشريعية وأيضا داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي بالاستناد إلى آراء المؤسسات الدستورية”، وقال خاتما: “نحن نشرع للمجتمع، ويجب الارتكاز على ممارسة وتجربة بلادنا لنحظى بقانون يرجح منطق الحرية عوض منطق المنع”.
ملك لجميع المغاربة
يوسف مكوري، عضو المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل، شدد على ضرورة تجنيب المغرب “مآزق سيخلقها مشروع قانون الإضراب” الرائج حاليا في المسطرة التشريعية، معتبرا أن “رئيس الحكومة الذي يعد مشغلا لا يعقل منحه حق إيقاف الإضراب”، وتساءل: “أين هو دور مفتشي الشغل في هذا المشروع؟”، وزاد: “ثمة تناقض كبير حين نصغي إلى الخطاب الرسمي السياسي الذي يقدم به المشروع، وعندما نطالعه نجد وثيقة مغايرة تماما لهذه التصريحات”.
وأضاف مكوري ضمن مداخلته أن “النقاش يضعنا أمام حق دستوري وإنساني وكوني”، مشيرا إلى أن “تنصيص الدستور عليه يجعله خاصا بجميع المغاربة، ليس خاصا بالنقابات أو العمال”، مؤكدا أن “الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسة هي التي تدفعهم للجوء للإضراب، وهو حق مضمون”، وأورد: “هناك مسألة أخرى تظهر في الخطاب الذي يروج، هي أن الحكومات السابقة لم تستطع إخراجه فجاءت هذه الحكومة كمحتكر لهذه القدرة، وهذه المنهجية لا تبدو صائبة كثيرا”.
وتابع شارحا: “لا توجد حكومة جاءت ودفعت بضرورة إخراج القانون، وذلك لأسباب يتداخل فيها السياسي والإيديولوجي والعقائدي”، موضحا أن “حق الإضراب ارتبط بمرحلة تاريخية أساسية قبل استقلال المملكة من نير الحماية، ونحن نتذكر انتفاضة 8 دجنبر 1952، حين تحول الإضراب إلى انتفاضة شعبية عارمة”، وتابع: “هذه الانتفاضة هي روح الاتحاد المغربي للشغل التي تصر الحكومة على أن تنتزعها منا. ولهذا توجد حرقة كبيرة لدينا بخصوص المشروع”.
كما اعتبر القيادي النقابي الإضراب “إرثا لجميع المغاربة بدون استثناء، وحقا للجميع”، منبها إلى “اللبس الذي يتكون عند الناس إثر النقاش الدائر، فيتلخص القانون في الأذهان بكونه يخص النقابات والحكومة والباطرونا”، وقال: “هذا ملك مشاع وذاكرة وطنية كان لها دور في إسناد مغرب نتحدث فيه اليوم بجرأة، والإضراب خلق تحولات نوعية في مسارنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي”.
وشدد المتحدث على أن “السجال لا يتعلق بالمقتضيات والبنود والمواد والتفاصيل، وإنما بماذا نريد من الناحية السياسية؟ فهل تتوفر لدى الجهاز الحكومي قناعة بأن الإضراب مسألة حقوقية وسياسية بالدرجة الأولى وليست قانونية محضة؟”، رافضا في هذا الباب الشكوك حول الحركة النقابية، وقال: “النقابات تأسست قبل المقاولات وساهمت في بنائها، ولا توجد نقابة تستبطن غايات لنسف البناء المقاولاتي في بلادنا، بالعكس تماما، والكل يعرف أن الإضراب هو أبغض الحلال في إطار المقاولة”.