تتوالى فصول القمع في الجزائر، حيث لم يعد النظام يتورع عن ملاحقة كبار المثقفين والمفكرين بأساليب بوليسية وقضائية تعكس انحطاط مستوى الحريات في البلاد. آخر ضحايا هذه الحملة المسعورة هو الكاتب بوعلام صنصال، البالغ من العمر 80 عاما، والذي يقبع خلف القضبان منذ نوفمبر الماضي، وسط وضع صحي متدهور يهدد حياته.
وفي تطور خطير، التمس وكيل الجمهورية لدى محكمة جنح العاصمة عقوبة قاسية بالسجن 10 سنوات وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري ضد بوعلام صنصال، في محاكمة سياسية مكشوفة والتهم الموجهة إليه تفضح طبيعة المحاكمة التي لا علاقة لها بالقانون أو العدالة، بل هي تصفية حسابات مع كاتب معارض جريمته الوحيدة أنه قال ما لا يريد النظام سماعه.
“المساس بوحدة الوطن، إهانة هيئة نظامية، القيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني”… تهم فضفاضة تُستخدم كأدوات لإسكات الأصوات المعارضة، بينما يبقى الفساد مستشريا في أعلى هرم السلطة دون محاسبة.
ما يزيد من بشاعة المشهد أن بوعلام صنصال قرر خوض إضراب عن الطعام داخل زنزانته بمستشفى مصطفى باشا، احتجاجا على الضغوط التي تُمارس عليه لتغيير محاميه اليهودي. هذا القرار يعكس حجم الانتهاكات التي يتعرض لها، حيث مُنع من رؤية عائلته، ولم يُسمح له بالاطلاع على ملف قضيته، كما تم وقف علاجه الطبي، مما جعله يفقد الأمل في عدالة قضاء يُستخدم كأداة سياسية.
وبحسب تقارير فرنسية، فإن وضعه الصحي حرج للغاية، ومحاميه حذر من أن استمراره في الإضراب قد يؤدي إلى تدهور خطير في حالته، ما يضع الجزائر أمام فضيحة حقوقية أخرى ستضاف إلى سجلها الأسود في قمع الحريات.
الضغوط الدولية على الجزائر تتزايد، خاصة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصف اعتقال صنصال بـ”التعسفي”، مؤكدا أنه يعكس أزمة أعمق في الحريات داخل الجزائر. ماكرون ربط الإفراج عنه باستعادة “الثقة الكاملة” بين باريس والجزائر، وهو تصريح يحمل بين طياته تهديدا غير مباشر بإمكانية اتخاذ إجراءات سياسية ضد النظام الجزائري.
ومع تصويت البرلمان الأوروبي لصالح قرار يطالب بالإفراج الفوري عن صنصال، وتصاعد الضغوط من فرنسا ومنظمات حقوق الإنسان، يجد النظام الجزائري نفسه أمام إدانة دولية واسعة. وإذا استمر في تعنّته، فقد يدفع ثمن ذلك من خلال عقوبات أو مراجعة للامتيازات الممنوحة له، خاصة في مجالات التأشيرات والتعاون الاقتصادي.
إن استهداف كاتب مسنّ، يبلغ 80 عاما، وحرمانه من العلاج في السجن، لا يعكس إلا جبن النظام الجزائري وخوفه من الفكر الحر. النظام الذي لا يقوى على مواجهة أزمات الاقتصاد والفساد يعتقد أنه يمكنه إسكات المعارضة بسياط السجن، لكنه لا يدرك أن التاريخ يسجل كل جرائمه.
في 27 مارس، سيتقرر مصير صنصال أمام محكمة لا يُنتظر منها عدلٌ، ولكن أيًّا كان الحكم، فإن قضيته أصبحت رمزا لوحشية النظام الجزائري، الذي اختار أن يدخل في مواجهة مع العالم دفاعا عن سلطته المطلقة.