في السنوات الأخيرة، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تحولًا جذريًا، حيث لم تعد مجرد منصات للتواصل وتبادل الأفكار، بل أصبحت ساحات مشتعلة للنزاعات والصراعات الشخصية.
بلمسة واحدة على الشاشة، يستطيع أي شخص أن يشعل عاصفة من السب والشتم والتشهير، بينما يتابع الآخرون المشهد وكأنه دراما يومية تُبث على الهواء مباشرة.
هذا التحول الصادم أثار جدلًا واسعًا، فبينما يرى البعض فيه امتدادًا لحرية التعبير، يعتبره آخرون تهديدًا صارخًا للقيم والأخلاق التي يقوم عليها المجتمع.
شهدت الساحة القضائية في المغرب مؤخرًا تطورات مثيرة، حيث تم اعتقال عدد من اليوتيوبر ومشاهير السوشيال ميديا بعد تورطهم في حملات سب وشتم وتشويه السمعة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
هذه الحوادث تبرز بوضوح كيف أن القانون يواصل تضييق الخناق على السلوكيات السلبية التي تلوث المشهد الرقمي، مما يثير تساؤلات حول حدود الحرية وضرورة فرض الضوابط في عصر أصبح فيه كل شيء متاحًا بضغطة زر.
في خضم التحولات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي، خرج وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي بتصريحات أثارت اهتمام الرأي العام، مؤكدًا أن الوقت قد حان لتقنين وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، في خطوة تهدف إلى مواجهة التحديات المتزايدة التي تفرضها التكنولوجيا على الحقوق والحريات.
جاء هذا الإعلان خلال يوم دراسي نظمته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، حيث استعرض الوزير رؤيته حول ضرورة إيجاد توازن بين حرية التعبير واحترام الحياة الخاصة للأفراد.
وأبدى وهبي استياءه من هذا الواقع، مشددًا على أن هذه الممارسات لا يمكن اعتبارها جزءًا من حرية التعبير، بل تعديًا واضحًا على القيم الأخلاقية والقانونية.
وأشار الوزير إلى حالات عملية، مثل قيام محامٍ بنشر معلومات حساسة عن موكلته عبر الإنترنت، ووصف ذلك بأنه مثال صارخ على تجاوز الحدود بين المجال العام والخاص.
وأضاف: “لا يجوز أن تصبح حياتنا الخاصة تحت رحمة منصات التواصل الاجتماعي. علينا أن نعيد النظر في مفهوم حرية التعبير في ظل هذه الانتهاكات المتكررة”.
ولم يكتفِ وهبي بالتشخيص، بل دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتقنين التكنولوجيا الرقمية ووضع ضوابط صارمة تحمي حقوق الأفراد.
وأوضح أن “الدولة مسؤولة عن حماية الحياة الخاصة للمواطنين، دون التدخل في حرياتهم الشخصية”، مشيرًا إلى أن هناك حاجة ملحة إلى قوانين تواكب التطورات الرقمية المتسارعة.
وفي سياق حديثه عن الذكاء الاصطناعي، أكد وهبي أن هذه التكنولوجيا تحمل في طياتها تحديات جديدة تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها.
وشدد على أن الآلات ليست محايدة، بل تعكس نوايا من يقوم بتطويرها، وهو ما يجعل من الضروري وضع إطار قانوني يضمن استخدامها بما يخدم مصلحة المجتمع.
وأشار الوزير أيضًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة للتلاعب بالرأي العام وسرقة جهود المؤلفين، مما يضع الخطاب الحقوقي في مأزق كبير. وتساءل: “هل علينا إعادة النظر في قوانيننا الجنائية أم تطوير مفهوم حرية التعبير ليواكب هذا العصر؟”
وأكد وهبي أن حماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي تتطلب تبني سياسات شاملة تشمل تعزيز التوعية المجتمعية وترسيخ ثقافة المسؤولية الرقمية.
مضيفا أن “التكنولوجيا الرقمية توفر فرصًا هائلة لتحسين حياة الأفراد، لكنها في الوقت ذاته تشكل تهديدًا إذا أسيء استخدامها”.
وتحدث وهبي أيضًا عن الحاجة إلى تعاون دولي لمواجهة التحديات التي تفرضها القضايا الناشئة مثل الجرائم الإلكترونية والعنف الرقمي.
ودعا إلى الانخراط في اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية بودابست لمحاربة الجريمة الإلكترونية، مع توفير الآليات اللازمة لتفعيلها.
وفي ختام مداخلته، شدد الوزير على أهمية ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية وفضاءات التنشئة الاجتماعية.
وفتحت تصريحات وهبي الباب لنقاش واسع حول مستقبل حقوق الإنسان في ظل التطورات التكنولوجية، وطرحت تساؤلات ملحة حول قدرة القوانين الحالية على مواكبة هذا التحول.
وبينما يرى البعض أن التقنين هو الحل الأمثل، يعتبر آخرون أن تعزيز التوعية والمسؤولية الفردية هو الأساس لضمان الاستخدام السليم لهذه التكنولوجيا.