إن تعثر وتأخر تشييد العديد من مشاريع المناطق الصناعية بأقاليم المملكة، يسائل المجالس الجماعية والقطاعات الوزارية المعنية وعمال الأقاليم من أجل توفير التمويل المطلوب، وتجهيز البنيات التحتية الضرورية وتجاوز المشاكل والإكراهات التي تعيق الاستثمارات، وذلك لتسريع وتيرة التنمية الشاملة ومعالجة معضلة البطالة التي تعتبر من أبرز أسباب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتحول دون تقدم الدولة في جميع المجالات، لأن القاعدة تقول “دخل مريح مشاكل قليلة” والعكس صحيح.
في ظل سعي المغرب لتنزيل استراتيجيات كبرى، لتجويد الخدمات العمومية ودعم أسس الدولة الاجتماعية، لا يمكن القبول بعراقيل تؤخر إنجاز مناطق صناعية أو تتسبب في تعثرها، من مثل غياب شبكات التطهير السائل وهشاشة البنيات التحتية، وغياب النقل وتأخر الترخيص بالبناء، إلى جانب بناء وحدات إنتاجية وتأخر فتحها لمدة طويلة كما حدث بالمنطقة الصناعية بإقليم المضيق، فضلا عن تحول وحدات مخصصة للإنتاج والتشغيل بتطوان إلى مستودعات للكراء.
يجب تجاوز كافة العراقيل الخاصة بتراخيص البناء بالمناطق الصناعية، ومعالجة تأخر الإجراءات الإدارية ومشاكل التصاميم والتعديلات المطلوبة، لأن كل تأخير أو عرقلة للاستثمار تدفع الدولة ثمنه غاليا بسبب تغول البطالة وارتباطها المباشر بمؤشرات السلم الاجتماعي باعتبار الشغل يضمن الكرامة.
هناك حاجة للصرامة في تفعيل المحاسبة بعد تحديد المسؤوليات في ملفات تعثر التشغيل، وضرورة تحديث التكوين ليواكب متطلبات سوق الشغل، فضلا عن التنسيق بين الجامعات والتكوين المهني والجهات المسؤولة على الاستثمارات والمستثمرين والمناطق الصناعية والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، وكافة المتدخلين لتحقيق هدف الحد من البطالة والقطع مع التكوين الذي لا يتوافق ومتطلبات العصر.
هناك تبعات كارثية أيضا لغياب العدالة المجالية في توزيع المناطق الصناعية، وعلاقتها بالهجرة القروية ما يتسبب في ظهور الهوامش والمشاكل الاجتماعية المعقدة، علما أنه بالإمكان توزيع المناطق الصناعية على الأقاليم مع الأخذ بعين الاعتبار مؤهلات كل منطقة وطرح تسهيلات وامتيازات تشجع على جلب الاستثمارات ما يمكن من خلاله تحقيق التوازن الاقتصادي المطلوب عوض تمركز الصناعة والتجارة بالمدن الكبرى.
إن الرفع من الإنتاج والتصدير هو السبيل الوحيد لتحقيق هدف التشغيل، ورأس المال بطبيعته جبان يبحث عن الاستقرار الأمني والسياسي كأول مؤشر إيجابي ليحط رحاله بالبلد المقصود، والمغرب يعتبر من بين البلدان المستقرة التي تتوفر على كل مؤهلات استقطاب الاستثمارات غير أن تفاصيل تتعلق بفيروس الفساد وفشل مسؤولين ومنتخبين في مسايرة الاستراتيجيات الكبرى للدولة، تقف حجرة عثرة أمام تحقيق الانطلاقة القوية للتنمية الشاملة التي كثر الحديث عنها وينتظرها المواطن بفارغ الصبر، وهو الشيء الذي يجب تداركه بمنح ملف الاستثمار العناية اللازمة من قبل جميع المؤسسات المعنية، خارج محاربة الطواحين ولا مطاردة السحارات وتقاذف المسؤوليات.