استبق المفوضون القضائيون عرض وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، مشروع القانون المنظم لمهنتهم، الحامل لرقم 46.21، خلال المجلس الحكومي المرتقب التئامه الخميس بخوض إضراب وطني عن العمل ابتدأ الأربعاء ويمتد لثلاثة أيام، تلبية لدعوة هيأتهم الوطنية التي أعلنت “تفاجؤها” بإحالة وهبي مشروع القانون هذا على مسطرة المصادقة، مستنكرة “مسّ” بعض مقتضياته باستقلالية المفوض القضائي.
وقالت الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين في بلاغ تتوفّر هسبريس على نسخة منه، إن مشروع القانون الجديد يتضمّن “مقتضيات غير متوافق عليها”، محذرة من “مساسها الخطير باستقلالية المفوض القضائي ومؤسساته المهنية ومناقضة مضمون المحضر الموقع بين الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين ووزير العدل بتاريخ 26 أبريل 2022”.
ونددت الهيئة ذاتها “بإقصائها” من مناقشة المسودة النهائية للمشروع الجديد، مستنكرة “التراجعات الخطيرة التي تستهدف بشكل مباشر كرامة المفوضات والمفوضين القضائيين بصفة خاصة والمهنة بصفة عامة”، مطالبة “رئيس الحكومة بإرجاء البت والمصادقة على هذا المشروع”.
في هذا الإطار، قال محمود أبو الحقوق، رئيس الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين، إن “هذا الإضراب الذي يستمّر لثلاثة أيام، يأتي بعد تفاجئنا بإحالة وزير العدل مشروع قانون منظم لمهنة المفوضين القضائيين على مسطرة المصادقة مخالفٍ لجميع الخطوط العريضة والبنود التي اتفقّت عليها الهيئة مع وزارة العدل وتضمنها محضر الاتفاق الموقّع بينهما في 26 أبريل 2022″، مبرزا أن “الغريب أن الهيئة حصلت على نسخة من هذا المشروع من مصادرها الخاصة، وليس بشكل رسمي، إذ يمتنع مدير الشؤون المدنية بالوزارة إلى حدود الساعة عن مدنا بها بشكل يخالف ما اتفقنا عليه وتعليمات وزير له بهذا الخصوص خلال اجتماع توقيع محضر الاتفاق”.
وأضاف أبو الحقوق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مشروع القانون المرتقب عرضه على المجلس الحكومي يحمل مقتضيات جديدة، غير تلك التي اتفقنا عليها، لعل أخطرها هو المادة التي تلزم الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين بتبليغ جميع مقرراتها إلى السلطة المكلفة بالعدل والسيد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، متيحة الصلاحية لهاتين الجهتين للطعن في هذه المقررات أمام المحكمة الإدارية”، معتبرا أن “هذه المادة تمس استقلالية الهيئة؛ بحيث تضعها تحت وصاية وزارة العدل، في مخالفة لروح الدستور الذي ضمن استقلالية جميع الهيآت المهنية”، متسائلا: “هل هناك أي هيئة مهنية داخل الجسم القضائي سواء خاصة بالمحامين أول العدول ملزمة بتبليغ مقرراتها مع إمكانية الطعن فيها؟”.
وأوضح رئيس الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين أن “قفز الوزارة فوق استقلالية المفوضين القضائيين، تجلى أيضا في اكتفائها في تعريف مهنة المفوض القضائي بالمادة الأولى ضمن المشروع الجديد بكونها [مهنة حرة]، في تراجع صريح عن التعريف الذي كانت قد اتفقت عليه مع الهيئة، والذي ينص على أن مهنة [المفوض القضائي مهنة حرة ومستقلة]”.
وأورد المتحدّث ذاته: “اتفاقنا مع وزير العدل استقّر أيضا على منح جميع الاختصاصات المتعلقة بتبليغ وتنفيذ الأحكام القضائية حصريا للمفوض القضائي، أي لوحده دون غيره، إلا أن المشروع النهائي تراجع عن هذا المقتضى، وترك هذه المهام مشتركة بين المفوض القضائي وأجهزة أخرى”، مضيفا: “هذا المشروع غيّب أيضا صيغة تأديب المفوض القضائي، التي اقترحها وزير العدل نفسه ووافقت عليها الهيئة ضمن محضر الاتفاق، لأنها تضمن مشاركتها والمجالس الجهوية في التأديب”.
وناشد المتحدّث رئيس الحكومة “الاستجابة لمطلب الهيئة بإرجاء البت في مشروع القانون هذا، وسحبه إلى حين التوصّل إلى توافق بين وزارة العدل والهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين بشأن جميع النقاط الخلافية في المسودة الخامسة منذ سنة 2012”.
وبالنسبة لرضوان بنهمو، الكاتب العام للهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين، فإن “إحالة مشروع القانون رقم 46.21 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين على المجلس الحكومي، دون تبليغ الهيئة الوطنية أو مدها من قبل وزارة العدل بنسخة منه، تمثل ردة صريحة عن مسار الحوار الذي ظلّ مفتوحا بين الهيئة والوزارة بخصوص هذا التشريع منذ سنة 2012″، مؤكدا أن “ما ورد فيه من مقتضيات تضرب استقلالية المفوّض القضائي، في انتكاسة تشريعية تعاكس التقدّم الحقوقي الذي تحققه المملكة المغربية”.
وأضاف بنهمو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أخطر مقتضى تنتفض ضده الهيئة، هو ذاك الذي يلزمها بتبليغ جميع مقرراتها إلى السلطة المكلفة بالعدل والوكيل العام للملك بالرباط مع تمتع هذين الجهتين بصلاحية الطعن في هذه المقررات” موضحا أن “هذه المادة تجعل الهيئة بمثابة ملحقة لدى الوزارة ولدى النيابة العامة، في تجاوز ومخالفة صريحة للدستور الذي يكفل للهيآت المهنية استقلالية قرارها”.
وأكدّ المتحدّث أن “الهيئة أمام مختلف التراجعات سالفة الذكر وجدت نفسها مضطرة لخوض الإضراب الممتد لثلاثة أيام، وستكون مستعدة لتسطير برنامج نضالي تصعيدي طويل الأمد ما لم تتم الاستجابة لمطالبها بسحب هذا المشروع إلى حين التوافق بشأن جميع النقاط الخلافية بينها وبين وزارة العدل”، محمّلا “المسؤولية الكاملة لتأثير الأشكال الاحتجاجية التي ستتخذها الهيئة انتفاضا ضد هذا المشروع على حقوق المتقاضين المغاربة ومصالحهم، إلى الوزارة الوصيّة”.
وختم بنهمو قائلا: “المفوضون القضائيون لا يطلبون إلا فتح باب الحوار معهم وسنّ مقتضيات تشريعية تحافظ على مكتسباتهم المهنية وتضمن استقلاليتهم عن أي جهة، بما يصون كرامتهم شأنهم شأن جميع الهيآت المهنية داخل الجسم القضائي وخارجه، وهي مطالب غير مادية ولن تكلف خزينة الدولة المغربية ولو درهما واحدا”.