قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن المغرب أصبح وسيطًا لا غنى عنه للغرب في منطقة الساحل، حيث نجح في الحفاظ على علاقات جيدة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وأبرزت الصحيفة أن هذا الدور تجسد مؤخرًا في إطلاق سراح أربعة عملاء فرنسيين تابعين للمديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) كانوا محتجزين في بوركينا فاسو، حيث أن العملية التي تمت بوساطة مغربية جاءت بعد عام كامل من التعقيد السياسي.
أوضحت الصحيفة أن إطلاق سراح العملاء الفرنسيين تم بفضل جهود دبلوماسية مكثفة قادها المغرب. وفقًا لوكالة المغرب العربي للأنباء، وافقت السلطات البوركينية على الإفراج عنهم بطلب مباشر من الملك محمد السادس إلى قائد المجلس العسكري إبراهيم تراوري. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الوساطة تعكس مكانة المغرب المتزايدة كوسيط بين الغرب والأنظمة الإفريقية.
وأضافت “لوموند” أن المغرب قدّم خدمة كبيرة لفرنسا من خلال وساطته، لا سيما في ظل العلاقات المتدهورة بين باريس وواغادوغو. فمنذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة في سبتمبر 2022، شهدت العلاقات الفرنسية-البوركينية توترًا حادًا، بما في ذلك طرد السفير الفرنسي وطلب مغادرة القوات الفرنسية. ومع تعقيد الوضع، لجأت فرنسا إلى المغرب لفتح قنوات حوار جديدة مع السلطات في بوركينا فاسو.
لم تكن هذه المرة الأولى التي ينجح فيها المغرب في تحقيق اختراقات دبلوماسية في منطقة الساحل، وفقا للصحيفة الباريسية، فإنه في غشت 2023، لعبت المخابرات المغربية دورًا أساسيًا في إطلاق سراح الضابط الروماني يوليو غرجوت، الذي كان محتجزًا منذ عام 2015 على يد جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة. كما ساهم المغرب في إطلاق سراح المهندس الألماني يورغ لانغه الذي اختُطف في النيجر عام 2018.
وذكرت الصحيفة أن المغرب يجري محادثات مع السلطات العسكرية في النيجر بشأن إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم، المحتجز منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2023. وأشارت إلى أن هذه المفاوضات تم التطرق إليها خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط في أكتوبر الماضي. ورغم أن بازوم رفض حتى الآن شروط المجلس العسكري التي تتضمن استقالته ونفيه، إلا أن المغرب يظل خيارًا مرجحًا كوجهة مستقبلية للرئيس المخلوع.
وأكدت “لوموند” أن حياد المغرب تجاه الانقلابات العسكرية في الساحل منحه ميزة كبيرة كوسيط. فالمملكة ليست عضوًا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، مما يجعلها مقبولة من الأنظمة العسكرية التي ترفض تدخل هذه المجموعة. وبدلًا من فرض شروط سياسية، يركز المغرب على تعزيز التعاون في مجالات الأمن والدفاع، خاصة في مكافحة الإرهاب.
وأشارت الصحيفة إلى أن المغرب يعزز وجوده الاقتصادي في الساحل، خاصة في قطاعات الاتصالات والبنوك. كما يعمل على تطوير علاقات تجارية جديدة مع المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير الديني للمغرب يمتد إلى الساحل، حيث تُبرز مبادرات مثل بناء المساجد والمراكز الصحية بتمويل من مؤسسات مغربية.
ولفتت “لوموند” تقريرها إلى مبادرات مغربية حديثة مثل افتتاح محطة حرارية تحمل اسم الملك محمد السادس في نيامي، عاصمة النيجر. وأكد التقرير أن هذه الجهود تعكس التزام المغرب بتعزيز العلاقات الثنائية مع دول الساحل، مما يرسخ مكانته كوسيط إقليمي رئيسي.