مرت أيام قليلة على حلول السنة الأمازيغية الجديدة، وشهدنا في العديد من المدن المغربية كيف احتفل الناس بهذه المناسبة التي أصبحت ذات طابع رسمي. وهذا التوجه ضروري لتعزيز إحساس الجميع بتنوع ثقافاتهم وأصولهم داخل وطن واحد. فقد استطاعت المملكة المغربية أن تحتضن بين جنباتها تنوعًا ثقافيًا فريدًا، يجمع المغاربة كشعب واحد، تحت دين واحد، ملك واحد، ووطن واحد يمتد من طنجة إلى الكويرة.
غير أن بعض من يُحسبون على الأمازيغ يركبون سفينة غير سفينة المغاربة، فيعتقدون أن الأمازيغية هي الكل في الكل، بل يلصقون الاشتراكية واللائكية بالأمازيغية النظيفة. هذه الأمازيغية التي جاهد بها ومن أجلها ومن أجل الوطن أجدادنا الجحافل، أمثال سيدي محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف، وموحا وحمو الزياني في الأطلس المتوسط، ومحمد ماء العينين في الصحراء المغربية، وغيرهم من العرب كالمرحوم علال الفاسي والزرقطوني، وعلى رأسهم جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، واللائحة طويلة.
كان كل واحد من هؤلاء الأبطال، رحمهم الله جميعًا، على ثغر من ثغور هذا الوطن الحبيب، ولم يطالب أحد منهم باستقلال منطقته عن البلد الأم! هؤلاء كان قصدهم إخراج الاستعمارَين الإسباني والفرنسي وتحرير المغرب من كل ما يخدش في مقدساته وثقافته وحريته كبلد متكامل الأركان.
هؤلاء القلة، ممن يُحسبون على الأمازيغ، لا يعرفون سوى مصطلحات العنصرية وتشتيت شمل المغاربة الموحدين بفضل الدين والملكية بعد فضل الله تعالى. هؤلاء الرجال من الحركة الوطنية كان شعارهم الإسلام من المنطلق إلى التحرير، وكانوا يرفعون شعار: “انتصرنا بالإيمان والإيمان وحده”، وهو المحرك الذي دفعهم للجهاد في سبيل تحرير المغرب حتى النصر.
فلا هم كانوا اشتراكيين ولا ماركسيين ولا انفصاليين، ولا كانوا فاسدين مفسدين لا ثقافيًا ولا أخلاقيًا ولا سياسيًا. بل تعلم منهم العالم ثقافة الحروب والدفاع عن الدين والوطن.
وما يلاحظ أيضًا في هذه الاحتفالات هو مهرجانات الرقص واللباس، وإن كان هذا جزءًا صغيرًا من ثقافة الأمازيغ. فالأمازيغ، بغض النظر عن اللباس والفلكلور، كانوا رجال الشهامة والأنفة والرجولة، يغيرون على نسائهم وأوطانهم وثقافتهم غيرة لا مثيل لها، وكانت الدول تحسب لهم ألف حساب، وعلى رأسها الإمبراطورية العثمانية التي لقيت سدًا منيعًا عندما وصلت إلى الحدود المغربية ولم تستطع دخولها.
فإن أردنا أن نحتفل بالسنة الأمازيغية، علينا أن نبرز الجوانب المهمة من هذا الأصل الرفيع عبر لقاءات حوارية وأنشطة ثقافية وأخلاق سامية وأفلام تُبرز حقيقة الأمازيغ الأبطال، بدل الوقوف فقط على الأنشطة البسيطة وكأن الأمازيغية هي فقط لباس تقليدي وضرب على الدفوف.
وحتى لا يذهب فهم البعض بعيدًا، فأنا أيضًا ذو أصل أمازيغي ريفي، وأجدادي جاهدوا إلى جنب سيدي محمد بن عبد الكريم الخطابي حتى تحرير جزء من مملكتنا المغربية الشريفة.
المغرب بلد توحدت فيه كل اللغات واللهجات والثقافات، وحتى الفَرق الذي كان بين المناطق العربية والأمازيغية إلى حدود أواخر السبعينيات بدأ يذوب، بحيث اختلط الجميع بسبب الزواج أو التجارة والتنقل، فاختلطت معهم الثقافات والعادات، وأصبحت فئة كبيرة من الأمازيغ يتحدثون العربية. والآن، وبعد ترسيم اللغة الأمازيغية، ستتحدث الأجيال المقبلة كلتا اللغتين الأصليتين للمملكة.
فلم يبقَ مجال لمن يحبون التفرقة ويتآمرون على وحدة المغرب في الغرف المكيفة وعند أعداء الوطن، للنيل من وحدة المغاربة تحت شعار “الله، الوطن، الملك”.
وبهذه المناسبة، أرجو وأتودد إلى جلالة الملك نصره الله لإصدار تعليماته السامية إلى القضاء المغربي للعفو عن كل معتقلي حراك الريف وفتح صفحة جديدة تزيد من ملحمة الملك والشعب في كل أنحاء المغرب، مع توجيه بعض المشاريع الاقتصادية والاجتماعية لإقليم الحسيمة، لمنح فرص العمل لشباب الريف لمحاربة البطالة.
سائلًا الله تعالى أن يحفظ ملكنا وبلدنا من كل شر.