كشف “مؤشر بلافاتنيك للإدارة العمومية” لعام 2024، الصادر عن جامعة “أكسفورد” البريطانية، عن تقييم شامل لأداء الإدارات العمومية في 120 دولة، حيث جاء المغرب في المرتبة 73 عالميًا بدرجة إجمالية بلغت 0.5، مما يعكس واقعًا مليئًا بالتحديات والإمكانات.
واستند التقرير إلى 82 نقطة بيانات، استُخلصت من 17 مصدرًا موثوقًا، مثل “سهولة ممارسة الأعمال” للبنك الدولي و”مؤشر الشفافية” لمنظمة الشفافية الدولية. وقد جرى قياس أداء الدول على مقياس موحد من 0 إلى 1 لضمان عدالة المقارنة، مع التركيز على تقييم أربعة مجالات رئيسية، هي: الاستراتيجية والقيادة، والسياسات العمومية، والتسليم الوطني، والأفراد والعمليات.
وفي مجال الاستراتيجية والقيادة، حصل المغرب على المرتبة 78، مما يشير إلى ضعف نسبي في التخطيط الاستراتيجي وتحديد الأولويات الوطنية. أما في مجال السياسات العمومية، فقد حل المغرب في المرتبة 71، مما يعكس مستوى متوسطًا في القدرة على صياغة وتنفيذ السياسات بطريقة تتماشى مع تحديات التنمية.
وفي مجال التسليم الوطني، سجل المغرب المرتبة 63، مما يعكس تقدمًا نسبيًا ولكنه يبرز الحاجة إلى تحسين الموارد وتنفيذ البرامج بشكل أكثر كفاءة. بينما في مجال الأفراد والعمليات، حل المغرب في المرتبة 76، مما يوضح أهمية تطوير الكفاءات البشرية وتقليل التعقيد البيروقراطي.
وأبرز التقرير عددًا من التحديات التي تعوق تحقيق أداء إداري متميز في المغرب، ومن أهم هذه التحديات: غياب الابتكار الكافي في الإدارة العمومية، والبيروقراطية المعقدة، وضعف الكفاءات البشرية. ورغم ذلك، فإن هناك فرصًا واضحة للتحسين.
وأشارت كلية “بلافاتنيك” بجامعة أوكسفورد، في تقريرها، إلى أهمية تعزيز الشفافية والحكامة، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي حققت نجاحًا في تطوير إداراتها العمومية. كما اعتبرت أن التركيز على التكنولوجيا والابتكار محورًا أساسيًا في تحسين الأداء الإداري، حيث يمكن استخدام الأدوات الرقمية لتعزيز الكفاءة وتقليل الفاقد.
وقدم التقرير أمثلة عن أفضل الممارسات، حيث احتلت سنغافورة المرتبة الأولى عالميًا بدرجة 0.85، بفضل أدائها الاستثنائي في التسليم الوطني والسياسات العمومية. تلتها النرويج بدرجة 0.84، حيث تفوقت في مجال الأفراد والعمليات. كما تقاسمت كل من كندا والدنمارك المرتبة الثالثة بدرجة 0.83، مع تفوق الدنمارك في مجال الاستراتيجية والقيادة.
وعلى الطرف الآخر، احتلت السودان المرتبة الأخيرة (120) بدرجة 0.17، مما يعكس أداءً ضعيفًا في جميع المجالات، ولا سيما في التسليم الوطني وإدارة الأفراد. تلتها ميانمار في المرتبة 119 بدرجة 0.27، متأثرة بالأزمات السياسية التي أثرت بشدة على كفاءة إدارتها العمومية. أما نيكاراغوا، التي حلت في المرتبة 116 بدرجة 0.31، فتعاني من تحديات كبيرة تتعلق بالشفافية والفعالية، وهو ما يشترك فيه كل من الغابون وكمبوديا اللتان سجلتا الدرجة نفسها.
ولتحسين الأداء الإداري في المغرب، أوصت الجامعة البريطانية بتعزيز التخطيط الاستراتيجي من خلال تطوير رؤى واضحة تستند إلى بيانات موثوقة، وتحسين الكفاءات البشرية عبر برامج تدريب شاملة ومستدامة، فضلًا عن تبسيط الإجراءات البيروقراطية لتقليل التعقيد وزيادة الكفاءة، والاستثمار في التكنولوجيا والابتكار لتطوير العمليات الإدارية.
إضافة إلى ذلك، شدد التقرير على أهمية بناء شراكات دولية للاستفادة من الخبرات الناجحة في تحسين الإدارة العمومية. وأشار إلى أن تحسين الأداء الإداري ليس فقط مسألة تعزيز الكفاءة، بل يشمل أيضًا بناء ثقة المواطنين في الحكومة.