في أجواء مشحونة بالانتقادات اللاذعة والتحفظات الشديدة، صعدت المعارضة من لهجتها تجاه الحكومة خلال مناقشة الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025، مشيرة إلى أن مشروع القانون يعمق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية ويفتقر إلى رؤية إصلاحية لمعالجة المشاكل المتفاقمة.
المعارضة لم تكتفِ بالاعتراض على بنود المشروع، بل وجّهت سهام الانتقاد إلى الحكومة متهمة إياها بتكريس الفساد وتجاهل فرض ضريبة على الثروة.
ووصفت فاطمة التامني، النائبة عن “فدرالية اليسار الديمقراطي”، السياق الذي جاء فيه مشروع قانون المالية بـ”الانحطاط السياسي” مستنكرة ما سمته “ضرباً للديمقراطية والحريات”.
وأكدت أن هذا المشروع لا يقدم أي حلول للأزمات التي يعيشها المواطن المغربي، بما في ذلك غلاء الأسعار وتفاقم البطالة والفوارق الاجتماعية، متسائلة عن التوجهات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة لتحقيق التنمية.
التامني لم تتوقف عند هذا الحد، بل سلطت الضوء على المديونية المتفاقمة للمملكة، حيث أوضحت أن المديونية الداخلية والخارجية بلغت 125 مليار درهم، في حين تكلف خدمة الدين حوالي 107 مليارات.
ورأت أن هذا الوضع يدفع الحكومة للاستدانة أكثر لتغطية عجزها، مما يزيد من أعباء الميزانية العامة ويضع البلاد أمام تحديات تمويلية غير مسبوقة.
كما تساءلت عن استثمارات الدولة ومدى تحقيقها عائدات فعلية للمواطنين، مطالبة بتقارير تفصيلية توضح الأثر الاقتصادي لهذه الاستثمارات، خاصة مع مشاريع ضخمة أبرمتها المملكة مع شركاء أجانب.
وأشارت إلى ضرورة فرض ضريبة على الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المتزايدة بين الطبقات.
بدوره، صعّد عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية”، من لهجته ضد الحكومة.
وقال بوانو إن التراجع الديمقراطي في المغرب انعكس على تشكيل حكومة “تعمل لصالح التجارة والمصالح الخاصة”، منتقداً ما وصفه بـ”احتكار قطاعات اقتصادية مثل المحروقات وتحلية المياه والطاقة”، في وقت تتجاهل فيه الحكومة وضع استراتيجيات للتشغيل وحماية الاقتصاد من التقلبات.
ورأى بوانو أن الحكومة تغض الطرف عن قضايا الفساد وتقدم بيانات اقتصادية مضللة، متسائلاً عن شفافية الأرقام التي تصدرها حول النمو والصلابة الاقتصادية.
مشيراً إلى التناقض بين خطاب الحكومة وواقع التغطية الصحية، حيث أشار إلى أن ما يقارب 80% من مخصصات التغطية الصحية توجه للقطاع الخاص.
رداً على هذه الانتقادات، دافعت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح علوي عن الخطة التي تنهجها الحكومة للنهوض بالمملكة، مشددة على أن “الأرقام التي نعرضها تعكس صمود ومتانة الاقتصاد الوطني رغم الأزمات العالمية، ونرفض التشكيك فيها”.
وأشارت الوزيرة إلى أن الاقتصاد الوطني يتمتع بالصلابة المطلوبة لمواجهة التحديات، وأن هناك تقدمًا واضحًا في تقليص عجز الميزانية، حيث يُتوقع أن ينخفض إلى 4% بنهاية هذا العام، مع خطة لتحقيق 3.5% في 2025.
كما أشارت إلى التزام الحكومة بخفض العجز إلى 3% بحلول 2026 واحتواء نسبة الدين إلى 69%، مما يدعم الاقتصاد ويعزز الاستثمار.
الوزيرة ردت على الانتقادات بشأن تراجع الحماية الاجتماعية بالقول إن الدولة تعمل على تحسين نظام التغطية الصحية رغم التحديات.
مؤكدة أن الحوار الاجتماعي والتخفيض من الضريبة على الدخل كلفا الحكومة 25 مليار درهم، مضيفة أن “الدولة الاجتماعية أصبحت حقيقة على أرض الواقع”.
وفي ظل استمرار النقاش حول مشروع قانون المالية، بدا واضحاً أن المعارضة تسعى إلى تكثيف الضغط على الحكومة بشأن قضايا الفساد وتزايد الفوارق الاجتماعية، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى قدرة الحكومة على معالجة هذه الملفات الحساسة وتلبية تطلعات الشارع المغربي.