تشهد الأسواق المغربية منذ فترة ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية، خاصة مع حلول شهر رمضان، مما أثار موجة من الاستياء والغضب بين المواطنين.
فقد أصبح اقتناء المنتجات الأساسية مثل الخضر واللحوم والأسماك يشكل عبئًا إضافيًا على الأسر، في ظل استمرار الزيادات المتتالية التي أنهكت القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المجتمع.
ويشير العديد من المتتبعين إلى أن هذا الغلاء لا يرتبط فقط بعوامل خارجية، مثل ارتفاع الأسعار العالمية أو تداعيات التغيرات المناخية، بل يعزى بالأساس إلى المضاربة والاحتكار داخل السوق المحلية، حيث تتدخل شبكات من الوسطاء في عمليات البيع والشراء، مما يؤدي إلى تضخم غير مبرر للأسعار على حساب المستهلك النهائي.
في ظل هذه الأوضاع، دعت أصوات مهنية إلى ضرورة تفعيل دور مجلس المنافسة، باعتباره الجهة المخولة قانونيًا بمراقبة وضبط المنافسة داخل الأسواق، معتبرة أن استمرار غيابه عن المشهد الاقتصادي يفسح المجال أمام المضاربين لتحقيق أرباح خيالية دون أي رادع.
واعتبر المكتب الوطني للفضاء المغربي للمهنيين في بيانه أن استمرار الفوضى في سلاسل التوزيع هو السبب الرئيسي وراء هذه الارتفاعات غير المبررة، مؤكدا أن الأمر يهدد التجار الصغار والحرفيين، ويضعف القدرة الشرائية للمواطنين، في مقابل ازدهار فئة قليلة تستفيد من الفوضى القائمة.
إلى جانب ذلك، نبه المكتب إلى أن التعقيدات الإدارية، بما في ذلك إشكاليات الرخص التجارية والضرائب المحلية، زادت من متاعب التجار الصغار، مطالبين وزارة الداخلية، عبر مديرية الجماعات الترابية، بالتحرك العاجل لتبسيط المساطر، والحد من العراقيل التي تعرقل الأنشطة التجارية.
من جهة أخرى، دعا المهنيون إلى مواصلة إصلاح المنظومة الضريبية، خصوصًا فيما يتعلق بالجبايات المحلية، التي أضحت تشكل عبئًا ثقيلاً على تجارة القرب، مشددين على ضرورة تنزيل توصيات المناظرة الوطنية للجبايات، بما يضمن عدالة ضريبية تحفز الاستثمار وتخفف الضغط على المقاولات الصغرى والمتوسطة.
في سياق متصل، اجتمع عدد من الخبراء الاقتصاديين، مؤخرا خلال مائدة مستديرة نظمها منتدى المبادرات الشبابية ومركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي بالرباط، لمناقشة الحلول الممكنة لمواجهة غلاء الأسعار.
وأكد المشاركون أن الحل لا يكمن في إجراءات ظرفية كدعم بعض المواد أو رفع الأجور، وإنما يتطلب إصلاحات هيكلية تعيد التوازن للسوق، وتحد من هيمنة الوسطاء الذين يستفيدون من الوضع الحالي على حساب المنتجين والمستهلكين، أهمها تفعيل أدوار مجلس المنافسة.
كما شدد الخبراء على أن الدولة لا يمكنها الاستمرار في تبني منطق السوق الحر دون ضوابط، في ظل عدم قدرة المواطن على مجاراة الارتفاع المستمر للأسعار، مطالبين الحكومة بتدخل أكثر حزماً لضبط الأسواق، ومحاربة الاحتكار الذي يفاقم الأزمة.
وفي السياق ذاته، وجه رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، سؤالًا كتابيًا إلى وزارة الصناعة والتجارة، أشار فيه إلى أن مجلس المنافسة كشف عن وجود فجوة كبيرة بين الأسعار التي يبيع بها الفلاحون والمنتجون، والأسعار التي يدفعها المستهلك النهائي، حيث يستحوذ الوسطاء على أكثر من 50% من قيمة المنتوجات، مما يجعلهم أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار.
وأكد السنتيسي أنه إذا كانت مهنة الوساطة ضرورية لربط المنتجين بالمستهلكين، فإن تعدد الوسطاء دون تقنين أو رقابة يؤدي إلى تضخم غير مبرر للأسعار، مما يستدعي من الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لتنظيم هذا القطاع وتقنين الأرباح التي يحققها الوسطاء، بما يضمن عدالة أكبر في توزيع القيمة المضافة على طول سلسلة التوريد.
مع تصاعد الغضب الشعبي، وارتفاع الأصوات المطالبة بتدخل عاجل لكبح الأسعار، يبقى السؤال الأهم: هل ستتحرك الحكومة بجدية لتفعيل دور مجلس المنافسة، ومواجهة لوبيات المضاربة؟ أم أن الأزمة ستظل تتفاقم، في ظل استمرار غياب الإصلاحات الحقيقية، ليظل المواطن المغربي الحلقة الأضعف في معادلة اقتصادية غير متوازنة؟