بالرغم من الجدل الذي لا يزال يرافق مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، قرر مجلس النواب المرور إلى المناقشة التفصيلية لمواد المشروع.
وقررت لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان برمجة المناقشة التفصيلية للمشروع الثلاثاء المقبل.
المشروع أثار جدلا واسعا داخل الأوساط الحقوقية والقانونية.
وفي الوقت الذي الذي تصر الحكومة على أن النص خطوة إصلاحية لتعزيز الضمانات القانونية وترشيد الاعتقال الاحتياطي، يرى معارضوه أنه يشكل تراجعا خطيرا عن المكتسبات الدستورية في مكافحة الفساد ونهب المال العام، خاصة بعد تبني الحكومة رسميًا للمادة 3 المثيرة للجدل.
قيد على محاربة الفساد
وتنص المادة 3 من مشروع القانون على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في الجرائم المتعلقة بالمال العام إلا بناء على طلب رسمي من جهات محددة، مثل المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشيات العامة أو الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة.
وتمنع هذه المادة المجتمع المدني من تقديم شكايات مباشرة بخصوص هذه القضايا، ما اعتبره عدد من الفاعلين الحقوقيين محاولة لتكميم الأصوات ومصادرة حق المواطنين في التبليغ عن الفساد.
الجمعية المغربية لحماية المال العام، اعتبرت في بيان أن هذه المادة تشكل تقويضا للدستور واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فضلا عن كونها تحد من دور النيابة العامة والشرطة القضائية في التصدي للجرائم المالية. وأضافت أن الهدف الحقيقي من هذه الخطوة هو إفراغ الحقل الحقوقي من محتواه، وتجريد المجتمع من أي أدوات لمساءلة المسؤولين، حماية للمستفيدين من الفساد والريع.
تحفظات وانتقادات
وأبدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان تحفظاته بشأن بعض مقتضيات مشروع القانون، معتبرا أن حصر حق التبليغ عن جرائم المال العام في جهات رسمية فقط، قد يُفرغ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من محتواه.
وشدد المجلس على ضرورة احترام المقتضيات الدستورية التي تنص على دور المجتمع المدني في الحكامة والمشاركة في السياسات العامة.
وهبي يدافع.. والمعارضة تهاجم
من جانبه، دافع عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، عن المشروع، مؤكدا أن تقنين شكايات الفساد هدفه حماية الفاعلين السياسيين والمسؤولين من التعسف والابتزاز. وقال وهبي خلال جلسة برلمانية سابقة “وصلنا إلى وضع لا نجد فيه من يترشح، لأن أي شخص يقرر دخول السياسة يجد نفسه غارقا في شكايات لا تنتهي. يجب وضع حد لهذا العبث!”.
غير أن هذا المبرر لم يقنع المعارضين الذين يرون أن المادة 3 تفتح المجال لتمرير صفقات مشبوهة وحماية لوبيات الفساد، خاصة في ظل غياب آليات حقيقية لمحاسبة المتورطين في قضايا المال العام.
محاولة لامتصاص الغضب؟
في المقابل، يتضمن مشروع القانون مقتضيات جديدة تروم تقليص الاعتقال الاحتياطي باعتباره تدبيرا استثنائيا، مع وضع ضوابط أكثر دقة لتعليل قراراته.
ومن بين التعديلات الرئيسية التي تضمنها النص تقليص مدد الاعتقال الاحتياطي في الجنح والجنايات، باستثناء قضايا الإرهاب وأمن الدولة، وإلزام قاضي التحقيق بتبرير قرارات الاعتقال الاحتياطي وفق معايير أكثر تشددا.
ويمنح النص إمكانية الطعن في قرارات الإيداع بالسجن الصادرة عن وكلاء الملك والنيابة العامة.
هذه الإصلاحات تعتبر إيجابية من الناحية الحقوقية، لكنها لم تخفف من الجدل الدائر حول تقييد المجتمع المدني في محاربة الفساد.
هل تمرر الحكومة القانون رغم الاعتراضات؟
ومع اقتراب موعد المصادقة على المشروع، يترقب الجميع كيف ستتعامل الحكومة مع هذا الرفض المتزايد، لاسيما تلك التي سيبدبها البرلمانيون بمجلسي النواب والمستشارين من خلال التعديلات التي سيتم تقديمها على النص بعد الانتهاء من المناقشة التفصيلية.
فهل ستصر حكومة أخنوش والوزير وهبي على تمرير القانون رغم تحفظات الحقوقيين والقضاة، أم ستقوم بتعديلات تراعي مخاوف المجتمع المدني وتعزز دور المواطنين في مكافحة الفساد؟.