الإثنين, مارس 31, 2025
Google search engine
الرئيسيةالمدرسة الرائدة بالوداية .. نموذج مبتكر يعيد الثقة في التعليم العمومي

المدرسة الرائدة بالوداية .. نموذج مبتكر يعيد الثقة في التعليم العمومي


في قلب العاصمة الرباط، وتحديدًا بمؤسسة الوداية الابتدائية، تتجسد ملامح تجربة تعليمية جديدة. يتعلق الأمر بمشروع “المدارس الرائدة”، الذي تم تقديمه كمشروع وطني طموح أطلقته وزارة التربية الوطنية في نسخته التجريبية الثانية، ويراهن على إعادة الروح إلى المدرسة العمومية، من خلال تجويد التعلمات الأساسية، ومحاربة الهدر المدرسي، والانفتاح على أنشطة موازية تعزز شخصية المتعلم.

زارت هسبريس مؤسسة الوداية الابتدائية، التي عرفت تنزيل مشروع المدارس الرائدة للعام الثاني على التوالي، حيث قال مديرها محمد البركي إنها كانت من بين أولى المدارس التي تبنت مشروع “المدارس الرائدة”، مشيرًا إلى أن هذا الانخراط بدأ بإصرار واضح على التغيير، رغم بعض التخوفات الأولية.

وأوضح البركي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “المشروع يرتكز على ثلاث دعائم أساسية: محاربة الهدر المدرسي، تحسين التعلمات، وتوسيع الاستفادة من الأنشطة الموازية”، مضيفًا أن “الأثر الإيجابي ظهر بوضوح بعد سنتين من التطبيق، سواء على مستوى التلميذ أو الأستاذ أو الفضاء المدرسي”.

وزاد البركي: “استفاد الأساتذة من تكوينات معمقة في مقاربات حديثة، خصوصًا مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب –TaRL أو التعليم الصريح، وكان لذلك أثر مباشر على جودة الأداء داخل الفصول الدراسية”.

وأكد المدير ذاته أنه بفضل “منحة القرب”، التي تمنحها الوزارة للمؤسسات المنخرطة في المشروع، وتتراوح بين 30 و100 ألف درهم حسب عدد التلاميذ، “استطاعت إدارة المؤسسة تجهيز الفصول بكل الوسائل البيداغوجية التي كانت مفقودة، ما حسن ظروف العمل وأضفى على الأقسام بيئة محفزة على التعلم”، وتابع: “فضاءات المؤسسة أصبحت أكثر إشراقًا، والأقسام تحولت إلى أماكن مريحة وآمنة، تُسهم في خلق جو تعليمي مفعم بالحيوية”.

مقاربة بيداغوجية حديثة

من جانبها توضح عائشة هناوي، المفتشة التربوية للتعليم الابتدائي بمدينة الرباط، أن “المشروع يهدف أساسًا إلى تقوية التعلمات الأساس، خصوصًا بعد أن أظهرت الإحصائيات السابقة وتصريحات الوزير السابق أن نحو 70% من التلاميذ يعانون من صعوبات في القراءة والرياضيات”.

وأوردت هناوي أن “الخطة البيداغوجية ترتكز على مرحلتين أساسيتين: أولاً مقاربة علاجية تهم التدريس وفق المستوى المناسب، الذي يُعتمد خلال الأشهر الأولى على علاج التعثرات السابقة التي تعيق تحقيق الكفايات اللاحقة، ثم تأتي المقاربة الوقائية وفق التعليم الصريح، الذي يركز على التدرج في التعلم من النمذجة إلى الاستقلالية، ويمنح التلميذ دورًا فاعلًا في تقييم أدائه”.

وشرحت المفتشة التربوية: “ضمن مراحل التدريس الصريح يقوم الأستاذ بما تعرف بـ’النمذجة’، وهي خطوة أساسية في بناء التعلم، وفيها يقدم الأستاذ نموذجًا عمليًا لإستراتيجية التعلم التي سيشتغل عليها التلميذ، سواء تعلق الأمر بمهارة لغوية، أو عملية رياضية، أو غيرها، ثم يُطلب من المتعلم خلال هذه المرحلة التركيز التام على ما يقوم به الأستاذ، دون تدخل، ويكون الهدف هو استيعاب خطوات الإنجاز وفهم الطريقة المعتمدة. وبعد النمذجة ينتقل التلميذ إلى مرحلة التدريب، حيث يحاول إعادة تطبيق ما شاهده بتوجيه ودعم من الأستاذ؛ ثم في المرحلة الأخيرة يُطلب منه إنجاز المهمة بشكل مستقل تمامًا، أي دون أي دعامة أو مساعدة خارجية، وتُعتبر هذه الاستقلالية مؤشراً على تمكنه من المهارة المستهدفة”.

وأضافت المتحدثة ذاتها: “هذا التدرج يسمح للتلاميذ بالتمكن الفعلي من الكفايات قبل الانتقال إلى أخرى، ما يقلل الفقد التعليمي ويُعزز الثقة في النفس”.

دور الأسرة… من المتابعة إلى الشراكة

من جانبها سلطت منى علام، رئيسة جمعية أمهات وآباء وأولياء تلاميذ مدرسة الوداية، الضوء على التحول في علاقة الأسر بالمؤسسة التعليمية بعد دخول المدرسة الرائدة حيز التنفيذ.

وقالت علام ضمن تصريح لهسبريس: “في البداية كنا مترددين، لكن بفضل اللقاءات التواصلية مع الإدارة والأساتذة استطعنا فهم المشروع ومرافقة أبنائنا خلال مراحل التعلم”، وتضيف أن “الوسائل التعليمية التفاعلية التي وفرتها المدرسة ساعدت على تبسيط المفاهيم، وخلقت نوعًا من التوازن بين مستويات التلاميذ داخل القسم، ما ساهم في التقليص من الهدر المدرسي وبث روح التنافس الإيجابي”.

وأردفت الأم ذاتها: “بالفعل، بعد مرور سنتين من التطبيق، لا يسعني إلا أن أقول إنها تجربة ناجحة بامتياز؛ فالأطفال أصبحوا يستمتعون أكثر بفضل الوسائل التعليمية الترفيهية التي اعتمدتها المدرسة الرّيادية، وسهلت عليهم الفهم والتعلم، وساهمت في تقريب المستويات داخل القسم”، وتابعت: “هذا أمر في غاية الأهمية، ولاسيما أن المؤسسة كانت سابقاً تعاني من بعض مظاهر الهدر المدرسي. غير أن اعتماد هذه المبادرة ساعد على التقليل من الفجوات التعليمية، وخلق نوعا من التنافس الإيجابي بين التلاميذ داخل القسم”.

مشروع في طور التجريب… بنجاحات ملموسة

رغم بعض الصعوبات التقنية، مثل تأخر طبع الكراسات أو مشاكل الوسائل الرقمية، إلا أن الأطراف المعنية تتدخل بسرعة، حسب إدارة المدرسة. كما يُؤكد الجميع أن المدرسة الرائدة لا تعتمد كليًا على الوسائل الرقمية، بل يمكن للأستاذ الاستمرار في التدريس اعتمادًا على تحضيراته وأدواته البديلة، ما يجعل الرقمنة وسيلة دعم لا شرطًا جوهريًا.

وفي هذا الصدد قالت هناوي: “المدرسة الرائدة لا تعتمد بشكل كلي على الجانب الرقمي، فحتى في حالة غياب الكهرباء أو تعطل الأجهزة يواصل الأستاذ أداءه مستعينًا بتحضيراته المسبقة، ومخططاته الذهنية، ويشتغل بأنشطة بديلة على السبورة كما في السابق. إذًا، الوسائل الرقمية مهمة، لكنها ليست حاسمة أو شرطًا حصريًا لإنجاح المشروع، ما يفنّد الاعتقاد الخاطئ بأن نجاح ‘المدرسة الرائدة’ مرتبط حصرًا بالرقمنة”.

وختم البركي قائلاً: “هذه الشراكة الحقيقية بين الأستاذ، الإدارة، الأسرة، والمفتش التربوي، هي ما يصنع الفارق. والتلميذ اليوم أصبح يشتغل في جو من الثقة والطمأنينة، ولا يُنتقل به من درس لآخر إلا بعد التأكد من استيعابه التام؛ وهذا هو جوهر المدرسة الرائدة”.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات