أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي في دينامية التحول الرقمي، سواء عبر مساهمته في تطور القطاعات الإنتاجية أو حياة المجتمعات.
وذكر المجلس في تقرير صدر مؤخرا حول الذكاء الاصطناعي، أن هذه الأهمية تبرز سواء من خلال تأثيراته المختلفة في تحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وجعلها أكثر ملاءمة مع مختلف الحاجيات.
ونبه المصدر ذاته إلى أن العديد من الدراسات المتخصصة تؤكد أنه يُمكن للذكاء الاصطناعي رفع الناتج الداخلي الإجمالي العالمي بنسبة 14 في المائة بحلول سنة 2030.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى التحديات الكبيرة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، لا سيما المخاطرُ المرتبطة بتدبير المعطيات ذات الطابع الشخصي، وبأشكال التحيز التي يمكن أن تُفضي إليها عن خوارزمياته، بالإضافة إلى عَدد من الأسئلة المتعلقة اختفاء بعض المهن والوظائف.
وأبرز التقرير أن المغرب يتوفرُ على مؤهلات مهمة يُمْكِنُ أن تُخَوِّلَ له تَمَوْقُعاً واعِدا في مجال الذكاء الاصطناعي. غير أنه هناك عدد من العقبات تعترض هذا التقدم، من بينها غيابُ إطارٍ تنظيمي خاص بالذكاء الاصطناعي، وبُطْءُ وتيرةِ فَتْحِ المعطيات العمومية، والصعوبات التي تواجِهُها المقاولات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في الولوج إلى التمويل، بسبب عدم توافق معايير التمويل مع احتياجاتها الخاصة، وكذا خصاصُ الكفاءات والمكوِّنِين المؤهَّلين.
ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأيه “الذكاء الاصطناعي بالمغرب: أيُّ استخدامات وأيُّ آفاق للتطوير؟”، إلى بلورةِ استراتيجية وطنية لاستخدامِ وتطوير الذكاء الاصطناعي تَتَمَاشى مع طموحاتِ بلادنا.
وقال المجلس إن هذه الاستراتيجية تَسْتَهْدِفُ إرساءَ منظومة كفيلة بـتعزيزِ الاستخدام الواسع للذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني تهيئةِ الظروف الملائمة لبناء صناعة وطنية للذكاء الاصطناعي بحلول سنة 2030.
وفي هذا الصدد، اقترح المجلس “مراجعة القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، بما يُمَكن من تضمينه متطلبات المعطيات التي يتم استخدامها وتوليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي، مع ضمان توافق مضامينه مع المعايير الدولية”.
كما دعا إلى “تشجيع الاستخدام المُعَقْلن لأدوات الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات، سواء العمومية أو الخاصة، وذلك من خلال وضع مخطط للدعم، لاسيما لفائدة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، سواء في مجال التكوين أو الحصول على الموارد المالية والمادية والبرمجيات”.
واقترح التقرير “فَتْح أوسع للمعطيات العمومية، وتَيْسِير الحُصول على معطيات مَوْثُوقة، وتَيْسِير استخدامها البَيْنِي (interopérabilité) “، إضافة إلى “إحداثُ صندوق استثماري مُشترك بين القطاعين العام والخاص مُخَصَّصٍ للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وغَيرِهِ من التكنولوجيات الرقمية المُتطورة”.
ودعا المجلس إلى “وَضْعُ تحفيزاتٍ ضريبية لفائدة المقاولات، لاسيما الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين إنتاجيتها، أو تتعاون مع قطاع البحث في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما أوصى بـ “مُلاءمةُ مقتضيات ميثاق الاستثمار ونُصوصهِ التطبيقية بما يَجْعَلُها تستجيبُ بشكلٍ أفضل لخصوصيات المقاولات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي”.
وأبرز التقرير ضرورة “تطويرُ نموذج لغة سيادية مغربية متعدد الوسائط (مكتوب وسمعي)، لِتَمْكينِ جميع المواطنات والمواطنين، بِغَضِّ النظر عن مستواهم الدراسي، واللغة الوطنية التي يتحدثون بها (الأمازيغية، الدارجة المِعيارية)، من المشاركة الفاعلة في المجال الرقمي”.
وشدد على أهمية “إدماجُ التكوين في مجال الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مُمَنْهَجْ في العرض التربوي والتكويني الوطني، وتعزيزُ برامج التعليم العالي المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الجامعات والمدارس المتخصصة”.
وأضاف: “كما يَنْبَغِي العملُ، بالمُوازاةِ مع ذلك، على سد الخصاص المسجل في المكوِّنين في هذا المجال، من خلال تمكين الكفاءات ذات التخصص العلمي، لا سيما في الرياضيات، من الاستفادة من تكوين مُتَخَصِّص في مجال الذكاء الاصطناعي”.