في تقرير جديد، أطلق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تحذيرًا بشأن تجربة “مدارس الريادة”، التي تعتمدها وزارة التربية الوطنية كركيزة لإصلاح التعليم العمومي. ورغم تحقيق إنجازات مشجعة، إلا أن التقرير أكد أن هذا النموذج قد يؤدي إلى تكريس الفوارق بين المؤسسات التعليمية بدلًا من تقليصها، حيث أشار إلى أن الفجوة بين الجهات وداخل كل جهة لا تزال واضحة، ما يستدعي إعادة النظر في آليات تنفيذ المشروع لضمان تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ.
وكشف التقرير أن تنفيذ المشروع في عدد محدود من المدارس حرم العديد من التلاميذ من الاستفادة منه، مما قد يزيد من التفاوتات بين المؤسسات التي تم إدراجها في البرنامج وتلك التي بقيت خارجه. واعتبر أن اختيار المدارس المشاركة وفق معيار التطوع قلّص من تمثيلية المؤسسات التعليمية، خصوصًا في المناطق القروية، حيث استقطب المشروع مدارس تتمتع بشروط ملائمة نسبيًا، في حين بقيت المؤسسات ذات الاحتياجات الأكبر خارج نطاق الإصلاح.
التحديات التي تواجه المشروع متعددة، أبرزها النقص في التأطير التربوي للأساتذة، حيث أن عدد المفتشين غير كافٍ لضمان زيارات منتظمة لجميع المدارس، خاصة في المناطق القروية، وهو الأمر الذي قد يزداد تعقيدًا مع توسيع نطاق المشروع. إضافة إلى ذلك، فإن المؤسسات التعليمية في المناطق النائية تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت والفضاءات التعليمية الملائمة، مما يحدّ من قدرتها على الاستفادة من الفرص التي يوفرها المشروع، ويعمّق الفوارق في الأداء بين التلاميذ.
ورغم أن الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 والقانون الإطار 51-17 يشددان على ضرورة اعتماد “حكامة تربوية أكثر لامركزية”، إلا أن المشروع، بحسب التقرير، لا يزال يخضع لإشراف مركزي صارم، حيث يتم التحكم في التوجهات التربوية وآليات التقييم من قبل الوزارة، مما يقوّض فرص التكيف مع خصوصيات كل منطقة. كما أن تركيز المشروع على تحسين التحكم في المعارف الأساسية دون إدماج مهارات مثل الابتكار والإبداع والتفكير النقدي يجعله مجرد تعديل جزئي لا يرقى إلى مستوى الإصلاح العميق الذي يتطلبه النظام التعليمي الوطني.
هذه الخلاصات تثير تساؤلات جدية حول مدى نجاعة “مدارس الريادة” في تحقيق تحول جذري في التعليم العمومي، وما إذا كان المشروع يخدم فعلًا مصلحة جميع التلاميذ، أم أنه يرسّخ الفوارق الموجودة بدلًا من تقليصها.