فصّلت قراءات أكاديمية مغربية في الفوائد المتعددة للمبادرة الأطلسية الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، موضحين أنها “تشكل مسار تعاون إفريقي أفقي سيساعد في مواجهة التحديات بشكل جماعي”. وأبرزوا أن “مبادرة المغرب للدول الإفريقية غير المطلة على المحيط الأطلسي، التي أصبحت دينامية، تعد باستغلال إمكانات الاقتصاد الأزرق في هذه الدول، سيما أن الكثير منها غير قادر لوجيستيا على استغلال موارده حتى الآن”.
هذه القراءات قدّمها أكاديميون وباحثون مغاربة وماليون، خلال “الجلسة العلمية الأولى حول خلفيات المبادرة الأطلسية بين تعقيدات المشهد الساحلي ومخاطر التطويق”، المنظمة من طرف ماستر الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا بكلية الآداب بالرباط، ومركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والاستراتيجية، ومركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية. وقد تم خلالها “التأكيد على أن ملامح شروع المغرب في تنزيل المبادرة عديدة، في سياق مجابهة الدول المستهدفة بها لعدة تحديات تستوجب هذا التعاون”.
استغلال الإمكانات
محمد الشكوندي، الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية والأورومتوسطية والإيبيرو أمريكية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، أشار إلى أن المبادرة الأطلسية تتجه نحو خلق مسار تعاون أفقي بين الدول الإفريقية، مبرزا أن “الغرض منها هو مواجهة التحديات بشكل جماعي، خصوصا أن أي دولة إفريقية لا يمكنها، كما هو معلوم، أن تجابه التحديات العديدة التي تواجهها”.
وأوضح الشكوندي، في مداخلته التي قاربت “دينامية الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي.. نحو نموذج جديد للتكامل والتعاون في عالم متقلب”، أن مبادرات المغرب ذات التوجه الأطلسي “تسمح باستغلال إمكانات الاقتصاد الأزرق؛ فحتى الآن هناك العديد من الدول الإفريقية، كدول خليج غينيا على سبيل المثال، لا تستغل الموارد البحرية بشكل جيد لأنها لا تملك وسائل الصيد الحديثة اللازمة، ولا الوسائل لتأمين الفضاء البحري”.
كما لفت إلى أن “تصميم وتنفيذ سياسات التنمية يجب أن يتم في إطار قاري وإقليمي”، مشيرا إلى أن المبادرة الأطلسية “تمنح الفرصة للأفارقة لتحويل الموارد والمواضيع”. وأضاف أن هناك “عدة مشاريع تم إطلاقها بالفعل من قبل الشركات المغربية، ضمنها وحدات تصنيع الأسمدة، فيما قد تنبثق مشاريع أخرى من هذه الدينامية الأطلسية”.
ملامح التنزيل
أما علي الأنصاري، صحافي وباحث مالي، فاستعرض “ملامح التنزيل الفعلي للمبادرة الأطلسية.. الدينامية السياسية، البنيات التحتية نموذجا”، وتطرق إلى الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية ناصر بوريطة مع وزراء خارجية دول الساحل الإفريقي بمراكش في دجنبر 2023، والذي “تمحور أساسا حول سبل التنسيق بشأن المبادرة”، مشيرا إلى أنه “كان من مخرجاته تأكيد الدول المشاركة على انخراطها في المبادرة كفرصة كبيرة للتحول الاقتصادي”.
كما وضع الأنصاري، في مداخلته، ضمن ملامح تنزيل المبادرة أيضا، ورش الميناء الجديد للداخلة الأطلسي، لافتا إلى أن “موقعه استراتيجي يربط أربع قارات هي أوروبا والأمريكتان وإفريقيا، مما يجعله متميزا عن باقي الموانئ الأطلسية بالقارة”. وأوضح أن “من بين أهدافه تعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي، والانفتاح على دول الساحل عبر المحيط الأطلسي”.
كما ذكّر “بتحويل معبر الكركرات إلى ممر استراتيجي للنقل البري، وكذا مشروع الطريق السريع الرابط بين تزنيت والداخلة، الذي يسمح لدول الساحل بالوصول إلى الموانئ الأطلسية المغربية، فضلا عن معبر السمارة، الذي يشكل خطوة استراتيجية نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وموريتانيا نحو دول الساحل الإفريقي”.
تحديات إقليمية
من جانبه، استعرض مصطفى بوسيف، الخبير في شؤون الأمن والسلامة البحرية وجيوبوليتيك الأسواق الدولية، التحديات الرئيسية التي تواجه غرب إفريقيا في سياق إطلاق المبادرة، مشيرا إلى معاناة المنطقة من الهشاشة الاقتصادية، وبنيات تحتية غير كافية. وأبرز أن “الاقتصادات الإفريقية من بين الاقتصادات الأكثر عرضة لمخاطر عدم اليقين عند الصدمات الاقتصادية العالمية”.
ولفت بوسيف، في مداخلته التي كانت تحت عنوان “التحديات الرئيسية الاقتصادية والأمنية والبيئية بغرب إفريقيا”، إلى أن القارة الإفريقية تعاني كذلك من “التأخر على مستوى البنيات التحتية للنقل واللوجيستيك”. وتطرق كذلك إلى خصائص المنطقة، وضمنها “تشكيلها 55 في المئة من الناتج المحلي الإفريقي، و46 في المئة من الساكنة الإفريقية”.
أما العياشي الفرفار، أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكدير، فأفاد أن “المبادرة الأطلسية جاءت في سياق عودة المغرب إلى إفريقيا لبناء تكتل إقليمي قادر على الدفاع عن مصالحه في إطار تعاون جنوب جنوب، وجوهر هذه المبادرة إحلال الاقتصاد محل الإيديولوجيا”.
وأشار الفرفار، في مداخلته، إلى أن “هذه المبادرة تأسست على أساس الواقعية (..) وتنزيلها أساسا تم بشكل تدريجي، أشرت عليه الزيارات الملكية العديدة لإفريقيا، وإطلاق خط أنبوب الغاز نيجيريا المغرب”، مؤكدا “الحاجة لرفع الجاهزية في ظل وقوع مناورات جزائرية لإفشال المشروع”.