يشهد سوق اللحوم الحمراء في المغرب، وخاصة بمدينة الدار البيضاء، ارتفاعًا متواصلًا في الأسعار، مما أثار استياءً واسعًا بين المواطنين الذين يواجهون تحديات اقتصادية متزايدة.
ورغم الإجراءات الحكومية الرامية إلى احتواء الأزمة عبر استيراد اللحوم الطازجة والمجمدة، إلا أن نتائج هذه الخطوات لم تكن كما هو متوقع، حيث لا تزال الأسعار مرتفعة، ويستمر المواطنون في تجنب اللحوم المستوردة، مفضلين اللحوم المحلية الطازجة.
وتعود أسباب رفض اللحوم المستوردة إلى مخاوف المواطنين بشأن جودتها ومدى مطابقتها للمعايير الإسلامية، على الرغم من وجود شهادات تثبت ذبحها وفق الشريعة.
ويعتقد العديد من المغاربة أن هذه اللحوم قد لا تتوافق مع الممارسات التي يطمئنون إليها. حتى مع تطمينات الجهات المختصة، فإن الشكوك تظل قائمة.
وأكد بعض المهنيين في سوق سباتة بالدار البيضاء في حديثهم للجريدة 24، أن الإقبال على اللحوم المستوردة لا يزال ضعيفًا جدًا، حيث أشار أحد التجار قائلاً: “الناس يخافون من أن تكون هذه اللحوم غير مذبوحة بالطريقة الشرعية، رغم وجود شهادات تثبت العكس. الثقة هنا ضعيفة جدًا”.
تتراوح أسعار لحوم البقر المحلية ما فوق 90 درهمًا للكيلوغرام، بينما تصل أسعار لحوم الغنم إلى ما فوق 105 دراهم، ما يزيد من الضغوط على المستهلكين.
بالمقابل، تُباع اللحوم المستوردة بأسعار أقل، حيث يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما فوق 80 درهما، وهو فارق لا يبدو كافيًا لجذب المواطنين.
وأشار أحد المهنيين إلى أن “الشحنة الأخيرة التي وصلت من إسبانيا، والتي تجاوزت 22 طنًا، لم تغير من الوضع كثيرًا، حيث لا يزال المواطن المغربي يفضل اللحوم المحلية رغم فارق السعر”.
في محاولة لمعالجة الأزمة، أكد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أن اللحوم المستوردة تخضع لمجموعة صارمة من الإجراءات.
تشمل هذه الإجراءات التحقق من الوثائق المرافقة التي تصدرها السلطات المختصة في بلد المنشأ، والتأكد من أن الذبح تم وفق الشريعة الإسلامية.
وأوضح المكتب أن فرق المراقبة تُجري فحوصًا عينية ومخبرية لضمان خلو اللحوم من الملوثات الكيميائية وبقايا الأدوية البيطرية، كما يتم مراقبة عملية النقل لضمان احترام سلسلة التبريد.
لكن هذه الجهود لم تكن كافية لطمأنة المستهلكين. يقول أحد التجار في حديثه للجريدة 24: “رغم كل هذه الضمانات، الناس يبحثون عن الطعم والجودة التي تعودوا عليها في اللحوم المحلية، ولا يمكن للوثائق فقط أن تغير قناعاتهم”.
في المقابل كشف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، مؤخرا، أن المغرب استورد حتى الآن 360 طنًا من اللحوم المجمدة، مع خطط لرفع الكمية إلى 4 آلاف طن لتلبية الطلب المتزايد.
وأضاف الوزير، خلال اجتماع بلجنة القطاعات الإنتاجية لمناقشة الميزانية الفرعية للوزارة، أن الأسعار في الأسواق الممتازة تتراوح بين 79 و89 درهمًا للكيلوغرام، مشيرًا إلى أن الأسعار قد تشهد انخفاضًا إضافيًا خلال الأيام المقبلة مع تكثيف الاستيراد.
رغم ذلك، يتوقع المهنيون أن الأزمة لن تنتهي قريبًا. أحد التجار أعرب عن تشاؤمه قائلاً: “حتى مع زيادة الاستيراد، لن تنخفض الأسعار إلى أقل من 75 درهمًا للكيلوغرام، لأن المشكلة ليست فقط في العرض، بل أيضًا في التكاليف العالية التي تؤثر على الإنتاج المحلي”.
من جهة أخرى، يرى بعض المهنيين أن خطوة استيراد اللحوم قد تساعد على استقرار الأسعار، لكنها ليست حلاً مستدامًا، حيث يجب دعم الإنتاج المحلي لتحسين الوضع على المدى الطويل.
ما يحدث في سوق اللحوم يعكس تحديًا مزدوجًا يواجه الحكومة والمستهلكين على حد سواء.
في ظل الشكوك السائدة والضغوط الاقتصادية المتزايدة، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة من كسب ثقة المواطنين وضمان توازن السوق؟ الأزمة الحالية تتطلب إجراءات شاملة، تتجاوز الحلول المؤقتة لتعزيز الشفافية وتحقيق استدامة القطاع الغذائي، بما يلبي احتياجات المواطنين ويحميهم من التقلبات الاقتصادية المستمرة.