يعرف المجتمع المغربي تغيرات مهمة مست جميع بنياته ومجالاته، خاصة مع بروز ظاهرة العولمة والحداثة وما بعدها، والتسارع المهول في مجال التكنولوجيا المتطورة، الشيء الذي يدفعنا للقول، بأننا في خضم سوق تعج بالغث والسمين، مما يجعلنا في محك حقيقي، إما نحافظ على هويتنا وأصالتنا، وإما ننسلخ عنها ونعتنق القيم الغربية بكل ما تحمل معها، وإما ــ وهو ما نحن فيه للأسف ــ ما بين بين في عنق الزجاجة، وما بين السماء والأرض، لا من هؤلاء ولا من هؤلاء.
يُفضي بنا هذا الكلام، إلى كشف الستار عن قضية أصبحت من القضايا الراهنة، حيث تعالت الصيحات بين مؤيد ومعارض لها؛ إنها مسألة العلاقات الرضائية “الكونكبيناج Concubinage“، التي طفت في الآونة الأخيرة إلى سطح الواقع المجتمعي.
وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي نجد الفصل 489 يتعلق بتجريم الشذوذ الجنسي، والفصل الذي يليه، أي 490، يتعلق بتجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، أما الفصل الذي بعده 491 فيتعلق بتجريم الخيانة الزوجية. هذا وأن لكل مرتكب لإحدى هاته الجرائم أو كلها، يعاقب طبقا للقانون السالف الذكر. بيد أن القانون وتطبيقه شيء، وما يعتمل في المجتمع شيء آخر. إذ أن القانون ــ على حد تعبير كارل ماركس karl marx وفريدريك انجلز Friedrich Engels ــ “لا يُعبر بشفافية عما يجري على أرض الواقع بل هو تعبير يقلب هذا الواقع ويعطينا عنه صورة مزيفة إنه “تمثل خيالي للعالم الحقيقي””.
هكذا إذن، لا يخفى علينا ما يقع سواء في السر أو العلن، من علاقات جنسية وسياحة جنسية في أماكن عامة وخاصة دون أن تنبس السلطة القائمة بشؤون البلاد والعباد ببنت شفة. الشيء الذي يجعلنا نتساءل هل الفصول السالفة الذكر، يتم تطبيقها فقط عندما يتعلق الأمر بمن يشكل معارضة حقيقة للنظام السياسي، من خلال زجهم في علاقات جنسية بغية ردعهم وتكميم أفواههم. أما ما عدا ذلك، فدع الحبل على الغارب؟
إن التساهل في الفصول القانونية التي تم ذكرها، قد نتج عنه ارتفاع نسب الأطفال مجهولي الهوية والمتخلى عنهم، ارتفاع الأمهات العازبات، شيوع الخيانة الزوجية، الارتفاع المهول في نسب الطلاق، وغيرها من الظواهر التي تَسترعي الإحاطة بها وتحليلها وتفسيرها….
وفي هذا السياق، قد أثار انتباهنا ما أوردته جريدة الصباح يوم الأربعاء 17 فبراير2021، في عددها: 6443، أن المحكمة الابتدائية بزاكورة أصدرت حكما قضائيا يقضي بأن “العلاقة بين شخصين غير متزوجين لا تعتبر خيانة زوجية”، مرتكزة على مُسوغ لها بشهادة الشهود على قيام العلاقة الزوجية بدون عقد الزواج، في ملف “تُوبع فيه متهمان في حالة سراح بالخيانة الزوجية والطرد من بيت الزوجية والعنف ضد الزوجة، والمشاركة في الخيانة الزوجية”. أليس هذا، إباحة للعلاقات الرضائية بكل وضوح وشفافية؟ وضربا للقيم المجتمعية، وهدما للبناء الأسري؟ وفسادا يستشري في الواقع الاجتماعي؟
إن العلاقات الرضائية بالرغم من كونها تشكل جانبا هامشيا، إلا أنها مؤشر حقيقي وقوي في إحداث “هزات قيمية” داخل النسيج الاجتماعي، وتستحيل معه بورصة القيم المجتمعية في النهوض من جديد بعد البوار الذي ستحدثه هذه العلاقات غير المؤطرة وغير المُسيجة بمؤسسة الزواج. نعم، هناك مشاكل اجتماعية أفرزت لنا هذه الظاهرة، والكل يجمع عليها، من قبيل البطالة الضاربة في العمق المجتمعي، ونسبة الطلاق المرتفعة، بالإضافة إلى ارتفاع مؤشر العنوسة، والعزوف عن الزواج..، كلها مشاكل حقيقية تستوجب الوقوف عليها وإيجاد حلول ممكنة لها.
ختاما، العلاقات الرضائية هي قضية ثانوية بالنظر إلى القضايا الجوهرية التي تتطلب منا تحقيقها، وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية، حرية الإنسان وكرامته.