تشهد محكمة الاستئناف بالدار البيضاء واحدة من أكثر المحاكمات الجنائية تعقيدًا في تاريخ المغرب، حيث يواصل القضاء النظر في ملف “إسكوبار الصحراء”، الذي كشف عن شبكة متداخلة من التحويلات المالية المشبوهة، وعلاقات بين رجال أعمال ومسؤولين سابقين، واتهامات تشمل تبييض الأموال وتهريب المخدرات والتزوير.
تضم القضية 28 متهماً، بينهم شخصيات بارزة مثل سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي، وعبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، بالإضافة إلى الملياردير فؤاد اليزيدي، المتهم بتزوير محررات رسمية في معاملات عقارية مثيرة للجدل.
في تطور مثير خلال جلسة الجمعة، قررت المحكمة قبول طلب دفاع سعيد الناصري بتمكينه من الانتصاب كطرف مدني في مواجهة فؤاد اليزيدي، المتابع في حالة اعتقال.
ويأتي هذا القرار بعدما أصر اليزيدي على أن جميع المعاملات العقارية المثيرة للجدل تمت بأمر من الناصري، وهو ما اعتبره دفاع الأخير تشويهاً لسمعته وإضراراً بمصالحه.
رغم قبول انتصاب الناصري طرفاً مدنياً، رفضت هيئة المحكمة، طلب دفاعه بإجراء مواجهة مباشرة بينه وبين فؤاد اليزيدي، وقررت تأجيل النظر في الطلب إلى حين الاستماع إلى الناصري بشكل مفصل.
خلال استجوابه أمام المحكمة، أصرّ الملياردير فؤاد اليزيدي على التمسك بكل التصريحات التي أدلى بها سابقًا أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مؤكداً أنه لا يتراجع عن أي كلمة قالها.
كشف اليزيدي تفاصيل أول لقاء جمعه بسعيد الناصري سنة 2013، حيث تم التعارف بينهما عبر عبد النبي بعيوي، قبل أن يُكلف بمهمة العثور على مشترين لشقتين فاخرتين في السعيدية.
وأشار إلى أنه تواصل حينها مع رئيس المنطقة الأمنية، الذي رافق المشترين لمعاينة الشقق شخصيًا.
لكن المفاجأة جاءت حين نفى اليزيدي بشكل قاطع أي علاقة للناصري بملكية الشقق، مؤكداً أن العقارات تعود للحاج ابن إبراهيم، الملقب بـ”المالي”.
كما شدد على أنه لم يحصل على أي عمولة لقاء دوره كوسيط، لافتًا إلى أن جميع العقود وُقِّعت بشكل قانوني لدى الموثقة التي اختارها الناصري بنفسه.
وخلال استجوابه، أدلى اليزيدي باعترافات مثيرة، كاشفًا عن تحويلات مالية ضخمة مرتبطة بصفقة الشقق، شملت 250 ألف درهم وشيكًا باسم “ت.ز”، بالإضافة إلى 200 ألف درهم أخرى دُفعت لصالح “المالي”، إلى جانب تحويل بنكي بقيمة 100 ألف درهم لصالح الشخص نفسه.
وفي سياق الجلسة الساخنة، استمعت المحكمة إلى المتهم عبد الرحيم بعيوي، الذي يواجه تهماً ثقيلة تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات، والمشاركة في اتفاق لمسكها ونقلها وتصديرها، إضافة إلى إخفاء ممتلكات متحصلة من جنح خطيرة.
كما تم التطرق إلى واقعة توقيف طليقة شقيقه عند حاجز أمني في وجدة، والتي أثارت جدلًا واسعًا وسط مزاعم بأنها كانت مستهدفة بشكل شخصي، وهو ما نفاه بعيوي جملةً وتفصيلاً، مؤكدًا أن الأمر لا يعدو كونه “ادعاءً ملفقًا.
مع استمرار جلسات الاستماع والمرافعات القانونية، يبقى ملف “إسكوبار الصحراء” واحداً من أكثر الملفات تعقيدًا في القضاء المغربي، حيث تتداخل فيه المصالح السياسية والمالية مع شبهات الجريمة المنظمة.
ومن المتوقع أن تشهد الجلسة المقبلة يوم 21 مارس الجاري، المزيد من المستجدات.