يعيش المغرب حالة من الترقب مع اقتراب العرض الأولي لإصلاح أنظمة التقاعد، وهو الملف الذي تعهدت حكومة عزيز أخنوش بتقديم تفاصيله خلال شهر يناير الجاري.
ورغم الالتزام الحكومي، فإن معالم هذا الإصلاح المنتظر ما زالت غامضة، وسط تصاعد الدعوات إلى الإسراع بمباشرة تغييرات جوهرية تضمن استدامة الصناديق وتخفف من أعباء الأزمة المالية التي تواجهها.
وأكد مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الخميس، في تصريح له خلال ندوة صحافية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، أن صناديق التقاعد تعاني من إشكالات هيكلية عميقة.
وأوضح أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير شدد على ضرورة التعجيل بإصلاح شامل لهذه الصناديق، واصفًا الأمر بالمستعجل الذي يتطلب مواجهة مشتركة بين الحكومة ومختلف الشركاء.
وفي هذا السياق، دقت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، يوم أمس الأربعاء، ناقوس الخطر، مشيرة إلى الحاجة الملحة لتسريع إصلاح منظومة التقاعد.
واستعرضت العدوي، خلال جلسة مشتركة بين غرفتي البرلمان، توصيات المجلس الصادرة منذ عام 2013، والتي تضمنت الدعوة إلى البدء في إصلاح هيكلي بعد استكمال الإصلاحات المعيارية.
كما نبهت إلى الوضعية الحرجة التي يمر بها الصندوق المغربي للتقاعد، الذي سجل عجزًا تقنيًا بقيمة 9.8 مليارات درهم بحلول نهاية 2023، ما أدى إلى تآكل الأرصدة الاحتياطية التي بلغت 65.8 مليار درهم فقط، مع توقع استنفادها بالكامل بحلول 2028.
ويضع المجلس الأعلى للحسابات هذا الملف ضمن المخاطر المالية الكبرى التي تهدد استقرار المالية العمومية، مطالبًا الحكومة بتفعيل إجراءات إصلاحية عاجلة.
في وقت سابق، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، التزام الحكومة بالبدء في تنفيذ الإصلاح بداية عام 2025، مشيرة إلى أن التأخر بثلاثة أشهر عن الموعد المحدد سابقًا كان نتيجة تحديات موضوعية.
كما أقرت الوزيرة بأن هذا الملف يتطلب حلاً جذريًا يحافظ على حقوق المتقاعدين ويؤمن استدامة الصناديق.
ودخلت النقابات المركزية على الخط، مطالبة باعتماد نهج تشاركي في صياغة الإصلاحات، بما يضمن حماية حقوق الأجراء والمتقاعدين.
وشددت النقابات على أهمية تحقيق توافق واسع يجنب البلاد أي احتقان اجتماعي جديد، خصوصًا في ظل تدهور القدرة الشرائية للمتقاعدين بسبب أزمة الغلاء.
ومن جانبهم، يطالب المتقاعدون بالزيادة في المعاشات كجزء أساسي من الإصلاحات المرتقبة، لضمان تحسين أوضاعهم المعيشية التي تدهورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
ومع تزايد الضغوط من مختلف الأطراف، تبدو الحكومة أمام اختبار حقيقي لإثبات قدرتها على تقديم حلول عملية ومتكاملة، تحقق التوازن بين الإصلاح الهيكلي وضمان العدالة الاجتماعية.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستنجح الحكومة في تقديم عرض إصلاحي يرضي الأطراف كافة ويضع حداً للأزمات التي تلاحق أنظمة التقاعد، أم أن التعقيدات المالية والاجتماعية ستبقي الملف مفتوحًا على مزيد من التأجيلات والتوترات؟