شهدت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء مواجهة حادة بين الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية، كريم زيدان، ومستشاري الغرفة الثانية للبرلمان، الذين وجهوا سهام الانتقاد إلى الحكومة بشأن ما اعتبروه غيابًا للعدالة المجالية في توزيع الاستثمارات.
وجاءت مداخلات المستشارين لتكشف عن تذمر متزايد من عدم نجاح الحكومة في ضمان توزيع عادل للاستثمار بين مختلف جهات المملكة.
ولم يتردد المستشار إسماعيل العلوي، عن الفريق الاشتراكي، لم يتردد في اتهام الحكومة بالتمييز بين الجهات، مشيرًا إلى أن جهة درعة تافيلالت لم تنل نصيبها المستحق من الاستثمارات، رغم الإمكانات الهائلة التي تمتلكها.
ولفت العلوي إلى غياب البنية التحتية المناسبة، وضعف الربط الجوي والطرقي، كعوامل تعرقل جذب المستثمرين وتساهم في تعميق الفوارق التنموية.
كما انتقد العلوي التناقض بين الشعارات التي ترفعها الحكومة والسياسات التي تُنفذ على أرض الواقع، والتي اعتبرها بعيدة عن تحقيق العدالة.
من جانبه، دعا المستشار عدي ويحيى، عن فريق الأصالة والمعاصرة، إلى ضرورة التركيز على الاستثمار في القطاعات التي تتناسب مع خصوصيات جهة درعة تافيلالت، مثل السياحة والمعادن والفلاحة، والتي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تنمية الجهة وتحسين ظروف عيش سكانها، لا سيما في المناطق الحدودية.
وشدد المستشار البرلماني، على أهمية احترام الخصوصيات الثقافية والاقتصادية لكل جهة لتحقيق تنمية متوازنة وشاملة.
في مواجهة هذه الانتقادات، دافع الوزير المنتدب كريم زيدان عن أداء الحكومة، معتبرًا أن التحديات الحالية هي نتيجة تراكمات لسياسات حكومية سابقة.
وأكد زيدان أن الحكومة تعمل على تعزيز العدالة المجالية من خلال إطلاق شراكات مع الجهات لتعزيز جاذبيتها الاستثمارية والتعريف بمقوماتها
وشدد على أن الاستثمار يشكل رافعة أساسية لتحقيق التنمية وتقليص الفوارق بين الجهات.
وأشار زيدان إلى أن الحكومة اتخذت تدابير هامة لتعزيز الاستثمار في المناطق الأقل جاذبية، من بينها الرفع من حجم الاستثمار العمومي، وتطوير البنية التحتية بمعايير عالمية، وتنويع العرض التكويني للرأسمال البشري.
وأكد أن ميثاق الاستثمار الجديد يركز على تقليص الفوارق المجالية، حيث يوفر دعماً خاصاً للمشاريع الاستثمارية في الأقاليم الأقل جاذبية عبر منح ترابية تتراوح نسبتها بين 10 و15 في المائة من قيمة المشروع.
كما أوضح الوزير أن اللجنة الوطنية للاستثمار صادقت على 48 مشروعًا خلال ست دورات، منها 32 في المائة خارج محور طنجة-الدار البيضاء، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يعكس الالتزام بدعم التنمية في الأقاليم المهمشة.
وأكد أن حكومته تعمل على تعزيز التنسيق بين الدعم الحكومي والجهات لتحقيق تكامل أفضل في جذب الاستثمارات.
وسبق للتقرير السنوي لمؤسسة الوسيط، الذي رفع إلى جلالة الملك محمد السادس ونُشر في الجريدة الرسمية شهر دجنبر الماضي، أن طرح مجموعة من القضايا الجوهرية المرتبطة بمؤشر الاستثمار بالمغرب.
واستعرض التقرير عدة اختلالات في منظومة الاستثمار الوطني، على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتحسين مناخ الأعمال من خلال ميثاق الاستثمار والالتزام بتبسيط الإجراءات الإدارية.
هذه الإشكاليات كانت محور الشكايات والتظلمات التي تلقتها المؤسسة، ما يعكس تحديات حقيقية تهدد الاستثمارات وتأثيرها المباشر على الاقتصاد الوطني.
فيما يتعلق بإجراءات تسليم التراخيص المتصلة بالاستثمار، سجلت مؤسسة الوسيط تعقيداً كبيراً في المساطر الإدارية التي تعيق إنشاء المقاولات والمشاريع الاستثمارية.
وأكدت المؤسسة على ضرورة التزام الإدارات العمومية بالقوانين المتعلقة بتبسيط الإجراءات، مثل القانون الخاص بالحق في المعلومة واحترام الآجال القانونية لاستخراج التراخيص.
هذه العراقيل تضر بثقة المستثمرين وتشكل عائقاً أمام تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية.
كما ألقى التقرير الضوء على الاختلالات المرتبطة بتدبير الصفقات والطلبيات العمومية.
وأبرزت مؤسسة الوسيط شكايات متعددة تتعلق بعدم وفاء الإدارة بالتزاماتها المالية تجاه الشركات والمقاولات التي نفذت مشاريع لصالحها.
من بين الأسباب التي قدمتها الإدارات لتبرير هذا التقصير كان عدم توفر الاعتمادات المالية الكافية أو تجاوز بعض الإجراءات القانونية، وهو ما اعتبرته المؤسسة مبررات غير مقبولة ومسا بحقوق المتعاملين مع الإدارة.
وخلصت مؤسسة الوسيط إلى أن هذه الاختلالات تؤثر سلباً على النسيج الاقتصادي ومناخ الأعمال، كما تزيد من الأعباء المالية على ميزانية الدولة بسبب المطالبات بالتعويض عن التأخير والفوائد المستحقة.
وأكدت المؤسسة أن الحفاظ على حقوق المستثمرين والمتعاملين مع الإدارة هو ضرورة ملحة لضمان التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
ومع استمرار الجدل حول العدالة المجالية، يبقى تحقيق التنمية المتوازنة تحديًا كبيرًا يواجه الحكومة الحالية، وسط ضغط شعبي وبرلماني متزايد يدعو إلى حلول ملموسة وعملية.