أعرب سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية، عن ارتياحه للتغيير الذي شهدته سوريا مؤخرًا دون إراقة دماء إضافية.
ووصف العثماني الحدث بأنه “نهاية كل ظالم مهما طال عهده”، مشيدًا بصمود الشعب السوري الذي عانى لسنوات من القمع والنزوح والآلام.
وأكد العثماني في تدوينة له أن المرحلة الحالية تمثل بداية جديدة للشعب السوري، داعيًا إلى التوافق والتعاون بين السوريين من أجل بناء مؤسسات قوية ودولة مزدهرة قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، بما في ذلك صراعات القوى الكبرى ومخاطر الاحتلال الإسرائيلي.
كما أثنى العثماين الذي سبق أن شغل وزيرا للخارجية في حكومة بنكيران، على الحكمة التي أظهرتها القوى الثورية في إدارة المرحلة الانتقالية، مشيرًا إلى أنها حافظت على استمرارية الدولة رغم سقوط نظام بشار الأسد.
وأشاد رئيس الحكومة السابق بقرارات تسليم المؤسسات تدريجيًا للحكومة الجديدة وإدارة الأمن بشكل مشترك بين القوى الثورية والشرطة المحلية.
وختم العثماني تدوينته بالدعاء للشعب السوري بمستقبل أفضل، معتبرًا أن التغيير يمثل “حدثًا تاريخيًا كبيرًا”، ومؤكدًا أن “الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
التطورات في سوريا
وفي تطور غير مسبوق، انتشرت خبر هروب الرئيس السوري بشار الأسد وتخليه عن السلطة، مما أثار موجة فرحة داخل سوريا وتفاعلا كبيرا في الأوساط الدولية.
ويأتي هذا التطور بعد سنوات من الاقتتال المستمر في البلاد، والذي أسفر عن دمار هائل في البنية التحتية، ومقتل مئات الآلاف، وتشريد الملايين.
الخلفية السياسية
ومنذ عام 2011، شهدت سوريا صراعًا طويلًا بين قوات النظام والمعارضة، أسفر عن تحول تدريجي للنزاع من مواجهة بين جماعات مسلحة إلى حرب معقدة تضم قوى إقليمية ودولية.
ورغم الدعم الذي تلقاه النظام السوري من روسيا وإيران، فإنّ الوضع الداخلي كان يشهد تدهورًا مستمرًا، بما في ذلك تزايد الاحتجاجات الشعبية والمطالبات بالتغيير السياسي.
وفي السنوات الأخيرة، بدا أن بشار الأسد قد استطاع، بفضل التدخلات الخارجية، استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية. ومع ذلك، بقيت المنطقة الشمالية الشرقية تحت سيطرة القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، بينما سيطرت المعارضة المسلحة على بعض المناطق في شمال غرب سوريا. كما ظهرت مؤشرات على تزايد الاستياء داخل صفوف النظام، بما في ذلك في أوساط الجيش وأجهزة الاستخبارات.
أسباب هروب بشار الأسد
كانت الضغوط الداخلية: عاملا حاسما في فقدان الأسد السيطرة، إذ خلال السنوات الماضية، كان هناك تزايد على مستوى الضغط الشعبي على نظام الأسد بسبب الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، من نقص حاد في الموارد الأساسية مثل الغذاء والوقود، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، بدأت أصوات المعارضة داخل النظام نفسه بالظهور.
الضغوط الدولية واحدة من العوامل التي دفعت بشار إلى الرحيل والتنحي،إذ على الرغم من الدعم العسكري والسياسي من روسيا وإيران، كانت هناك ضغوط دولية مستمرة على الأسد للتخلي عن السلطة أو التفاوض مع المعارضة.
كما أن العقوبات الغربية، وخصوصًا الأمريكية والأوروبية، لعبت دورًا في تعميق الأزمة الاقتصادية في سوريا. كما أن الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للصراع قد زادت من عزلته السياسية.
وأفادت تسريبات وتقارير استخباراتية بأن الأسد كان في الفترة الأخيرة تحت تهديد مستمر من قبل أطراف داخلية تريد الإطاحة به، الأمر الذي يرجح أن يكون هذا الضغط من داخل النظام قد دفعه إلى اتخاذ قرار مفاجئ بالهرب.
كما أنه في الآونة الأخيرة، بدأت بعض الدول العربية، مثل السعودية والإمارات، في إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، مما قد يكون قد شكل تهديدًا للنظام، حيث كان من الممكن أن يُنظر إلى بقاء الأسد في السلطة كعائق أمام تطور العلاقات الإقليمية الجديدة.
سيناريوهات ما بعد هروب الأسد
بعد هروب الأسد قد تشهد المنطقة وسوريا تصعيدا عسكريا، بسبب الفراغ السياسي الذي تمر منه البلاد، مما يثير احتمال حدوث فوضى داخلية جديدة أو تصعيد عسكري بين القوى المختلفة التي تتنافس على السيطرة.
السيناريو الثاني يتمثل في انتقال السلطة، إذ من الممكن أن يتجه النظام السوري إلى ترتيب انتقال سلمي للسلطة عبر مرشح آخر من داخل العائلة أو الحزب الحاكم. وربما يُفرض “حكم انتقالي” برعاية دولية، مما يعزز من فرص تحسن الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد.
السيناريو الثالث يتمثل في العودة إلى مرحلة التفاوض، إذ مع هروب الأسد، قد يكون هناك فرصة جديدة لاستئناف مفاوضات السلام، لا سيما في ضوء التطورات الإقليمية التي تدعو إلى إعادة الاستقرار في سوريا. كما أن الدول الكبرى قد تبدأ في الضغط لإنشاء حكومة توافقية تضم جميع الأطراف المعنية.
تداعيات الهروب
قد يكون لهذا الهروب تداعيات على المستوى الداخلي، إذ من المحتمل أن تواجه سوريا تحديات كبيرة في ظل غياب رئيس الدولة الذي يدير شؤونها، وقد تستمر التوترات بين القوى المختلفة المتنازعة على السلطة، سواء من المعارضة أو من القوى الحليفة للنظام. كما أن الغموض السياسي قد يعزز انعدام الاستقرار في البلاد.
وفي حال تولت قوات أو شخصيات أخرى السلطة في سوريا، قد يحدث تحسن نسبي في العلاقات مع دول الجوار، خصوصًا إذا كانت هناك رغبة في التوصل إلى تسوية سياسية. ومع ذلك، يبقى القلق من تفاقم الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة أو القوات الكردية.
وفي ظل كل هذا، سيبقى المجتمع الدولي في حالة ترقب، وقد يسعى إلى تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لأي حكومة انتقالية يتم تشكيلها. كما أن التصعيد العسكري في سوريا قد يتطلب المزيد من التدخلات من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.