الأربعاء, مارس 12, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيالعالم الآخر - هبة بريس

العالم الآخر – هبة بريس


بقلم نورالدين زاوش
عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة

أغلب بلدان العالم تعرضت للاحتلال الأجنبي؛ لكن واحدة منها فقط شارك في مقاومة الاحتلال فيها الصخرة المقدسة، والشجرة المقاوِمة، وطائر اللقلاق المجاهد الذي أرسلت إليه فرنسا سبع دوريات عسكرية من أجل إلحاقه بالمعتقل حيث يقبع باقي المجاهدين.
أغلب بلدان العالم تتعرض لحرائق الغابات؛ لكن واحدة منها فقط من تشتعل فيها الحرائق في فصول البرد والقرِّ، وحينما تقوم السلطات المختصة لإطفائها، فإنها تلقي عليها براميل النفط والغاز من الطائرات المتخصصة في رشِّ المبيدات، لعدم توفرها على طائرات الكَنْدر.
أغلب بلدان العالم تتوفر على ميزات تميزها عن غيرها؛ إلا واحدة تتميز، في نفس الوقت، بجميع الخصائل والميزات، وحباها الله تعالى، دون غيرها، بجميع الفضائل والمكرُمات، حسب زعمها؛ فهي من درَّست العالم الديمقراطية، وعلَّمت المشارقة اللغة العربية، ونشرت الإسلام في أوروبا، وعلَّمت فرنسا الرياضيات والفيزياء، وعلمت أمريكا صناعة الأساطيل البحرية؛ بل إن دستور هذه الأخيرة صيغ من منطلق الخوف منها.
في كل دول العالم، يهتم بالتاريخ المؤرخون، وبالرياضة الرياضيون، وبالسياسة السياسيون، وكلُّ فنٍّ له أهله واختصاصه؛ إلا في بلد واحد لا شريك له؛ فإن البيطري يشتغل مؤرخا ويلقي كلمة في الأمم المتحدة عن التاريخ، والرياضي يمتهن السياسة، ووزير الداخلية يدلي ببيانات تخص العلاقات الخارجية، ووزير الاتصال يقرر في الاقتصاد، ومؤثر في مواقع التواصل الاجتماعي يصير مدير أكبر مطار، وعشيق بنت الرئيس يصبح مستشار الجمهورية، واللائحة تطول.
في كل دول العالم، تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى صحافيين ومراسلين وموظفين يتتبعون الأخبار، ويتقصون الشائعات من الحقائق؛ إلا في بلد القوة الضاربة؛ لأنها بكل بساطة من تنتج الأخبار الزائفة، وتلفق الإشاعات المغرضة، وفي كثير من الأحيان، تكون هذه الأخبار غير قابلة للاستيعاب فضلا عن التصديق؛ الأمر الذي أنتج، عن قصد ووعي من النظام، شعبا فاقدا للعقل والمنطق والأخلاق.
في العالم أجمع، دولة واحدة فقط من تستعمل الذكاء الاصطناعي في صياغة بيانات وزارة خارجيتها، بينما شعبُها، في الداخل، يكتري الأضحية ليأخذ معها صورا تذكارية ويرجعها لصاحبها في منتصف الليل، أما في الخارج، فهو يسرق البجع والطواويس من المنتزهات العامة؛ والعجيب في الأمر، أنه لا يفعل ذلك من أجل الزينة وأخذ الصور التذكارية؛ بل من أجل الأكل.
تعلم يقينا أن هذا البلد قد تمكَّن منه الداء حتى لم يعد يُرجى منه شفاء، حينما تجد فخامة رئيس الجمهورية، على جلال قدره ورِفعة مقامه، يستقبل في القصر الرئاسي فقيها يرتدي “جلاَّبة نسوية”؛ فقط لأن هِراَّ، أو ربما هِرّة، اعتلت كتفه الشريف وهو يصلي التراويح بالناس، فجلبت له ملايين المشاهدات عبر بثه المباشر على منصة “التيك توك”؛ لكن، إذا كان قد تبين للبيطري وأصحابه المؤرخين أن هذا البلد يوجد به مكة والمدينة الحقيقيتين، وبه بئر زمزم الأصلي، وكهف أصحاب الكهف، وجبل الطور الذي كلَّم الله تعالى عليه موسى عليه السلام، وغار ثور حيث نزل القرآن الكريم، فلا باس أن ينضاف إليهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه.
من قال إن السفر إلى الماضي ضرب من ضروب الخيال، ما عليه إلا أن يحط الرحال في هذا البلد الاستثناء، ليجد أن الزمن قد توقف منذ ستين عاما، فكل ما يوجد في البلد مِن بُنى تحتية وفنادق ومصانع وموانئ ومطارات وسكك حديدية كان من إنشاء الاحتلال، وللأسف الشديد، كل شيء قد اهترأ وأكله الصدأ، مما يفيد أن البلد في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، لعودة الاحتلال من جديد.
صدقتَ أيها القارئ الكريم، فالأمر يتعلق بدولة الجزائر “العُظمى”، والدليل على “عظمتها” أنها لا تنتمي إلى العالم الثالث؛ بل إلى “العالم الآخر”، مثلما وصفها بذلك جلالة الملك محمد السادس، زاده الله حكمة وبصيرة، وحاشى أن يكون وصفُ جلالته عبثا، أو تجنِّيا، أو مبالغة، فهي دولة من “العالم الآخر” بما تحمله الكلمتان من معنى ودلالات، عالمٌ مواز من الخيال اللاّعلمي، حيث العقل والمنطق والأخلاق تتيه في دهاليزه من غير رِجعة.
هكذا سيبقى نعتُ جلالته مخلدا في التاريخ، ليذكره أبناء البيطري وأحفاده، إذا أصابتهم، لا قدَّر الله، نزلة برد من الصدق والعرفان في يومٍ من الأيام.





Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات