أمينة المستاري
كليو العمياء
يتناول يوفال نوح هراري فكرة أنه لا يوجد دليل على أن التاريخ يعمل لمصلحة البشر، لغياب مقياس موضوعي لقياس المنفعة( اعتقاد المسيحيين أن انتصار دينهم على المانوية كان مفيدا للبشرية)…
يعتبر الباحثون أن الثقافات هي طفيليات وأن البشر أجسام عائلة، وتعيش فيها الطفيليات وتتضاعف وتنتشر من عائل إلى آخر، لذلك لا يكترث الطفيلي بحالة عائله، ففكرة الإيمان بجنة مسيحية فوق السحاب مثلا يمكنها إرغام الإنسان على تكريس حياته لنشرها، ولو كان الثمن الموت.
يذكر هراري مقاربة “الميمات”، فالتطور الثقافي يستند على تكرار معلومات ثقافية، والثقافات الناجحة هي التي تتفوق في إعادة إنتاج ميماتها. مقاربة مرفوضة من طرف الباحثين،
لكونها محاولة شرح عمليات ثقافية بمقارنات بيولوجية غير ناضجة، لكنهم يتبعون شقيقة الميمات وهي ما بعد الحداثة. يورد هراري مثلا على القومية التي اعتبرها هؤلاء المفكرين “طاعونا قاتلا” تسبب في حروب وإبادة جماعية…
وينتشر كفيروس من دولة لآخرى، وعوضا أن يكون مفيدا للبشر كان مفيدا لذاته، وأيضا سباق التسلح الذي يؤدي لإفلاس كل المشاركين فيه دون تغيير التوازن العسكري للقوة بشكل فعال…
ويعتقد هراري أن يوجد أساس للتفكير في كون الثقافات الناجحة هي أفضل ثقافات الإنسان العاقل، فالتاريخ يتجاهل سعادة الأفراد الذين عادة ما يكونون ضعفاء.
اختار التاريخ ليس فقط تغيير مصير الجنس البشري بل مصير الحياة على وجه الأرض أو “الثورة العلمية” التي بدأت في أوريا الغربية ولم تؤدي أي دور مهم في التاريخ في تلك الفترة، وقد اقترح الباحثون نظريات عديدة حول مكان وزمان لكنها صنفت “غير مقنعة”.
الفصل الرابع: الثورة العلمية
يتناول الفصل الثورة العلمية التي بدأت منذ حوالي 500 عام. وفقًا لهراري، هذه الثورة غيّرت بشكل جذري الطريقة التي يفهم بها البشر العالم. إذ بدأت العلوم تتطور وظهر الفضول لاكتشاف الحقائق،
مما ساهم في تحقيق اختراعات ثورية مثل البارود، الطباعة، والكهرباء. يعبر هراري هنا عن أن الإنسان بدأ يسيطر أكثر على الطبيعة، ويناقش التحديات الأخلاقية التي تواجه البشرية في ظل الابتكارات العلمية.
فالتاريخ ليس حتميًا أو مدفوعًا بأسباب أو قوانين ثابتة، بل هو سلسلة من الأحداث العشوائية التي تتداخل مع بعضها بشكل غير متوقع.
يُشير هراري في هذا الجزء إلى أن هناك الكثير من الأحداث التي تحدث بسبب عوامل غير مرئية أو غير متوقعة، وكأن التاريخ “أعمى” أو غير قادر على رؤية الاتجاه الذي يسير فيه.
اكتشاف الجهل…
تزايد عدد البشر خلال 500 سنة الأخيرة، فانتقل من 500 مليون إنسان عاقل إلى 7 مليارات. تضاعف عدد السكان 14 مرى، وتضاعف معه الإنتاج واستهلاك الطاقة.
يقدم هراري مقرنة بين السفن الحربية الحديثة وبين القديمة مثلا في زمن كولومبوس، على مستوى الشحن أو المعلومات وطريقة تخزينها كانت مخططات أو حاسوب…
يضع مقارنة بين المباني في المدن قبل 1500م وطريقة بنائها وبين المباني الحديثة، بين طريقة الإبحار قبل نفس المدة وحاليا،
تحدث هراري عما وصل إليه الإنسان وبلوغه سطح القمر، فبعد 4 مليارات سنة من التطور، أنجز الإنسان عملا تطوريا ثور يا وإنجازا كونيا.
التطور العلمي ظهر أيضا مع اكتشاف أنطون فان ليفنهوك للميكروب لأول مرة سنة 1674، بمجهره المنزلي وتمكن من التعرف على عالم من الكائنات الدقيقة تهيم في قطرة ماء، وخلال 300 سنة اللاحقة تعرف البشر على عدد ضخم من هذه الكائنات المجهرية وتمكن من هزيمة معظم الأمراض المعدية، بل ويهندس البشر هذه الأيام البكتيريا لإنتاج الأدوية والوقود الحيوي وقتل الطفيليات.
لكن اللحظة الأهم، حسن هراري، كانت لحظة تفجير أول قنبلة ذرية في ألاموغوردو بنيو مكسيكو…حدث لم يغير فقط مسار التاريخ بل أصبح للبشر القدرة على إنهائه…إنها الثورة العلمية.
أصبحت البشرية تستثمر في البحث العلمي، فقد كان الناس قبلها يستثمرون في التعليم للمحافظة على القدرات المتوفرة وليس اكتساب قدرات جديدة،
لكن خلال 500 سنة الماضية ازداد إيمان البشر بقدرتهم على الاستثمار في البحث العلمي ( شطر الذرة، هندسة الميكروبات…) ومكنت هذه المعرفة بناء محطات الطاقة الذرية…وأصبحت الحلقة الراجعة للثورة العلمية : الموارد، البحث، القوة.
يطرح هراري مجموعة من الأسئلة حول سبب تطوير البشر المعاصرين قدرتهم على الحصول على القوة من خلال البحث؟ ما الذي دعم الرابط بين العلم والسياسة والاقتصاد؟ وتطرق في الفصل الرابع للتحالف بين العلم، والإمبريالية واقتصاد الرأسمالية.
الجاهل
بذل العاقل منذ الثورة المعرفية مجهودا كبيرا لاكتشاف القواعد التي تحكم العالم الطبيعي، لكن العلم الحديث يختلف عنها من خلال اعترافه بأن الإنسان “لايعرف”، وافتراض الخطأ في معرفة الأشياء،
فلا وجود لمفهوم أو فكرة أو نظرية مقدسة، ثم أن الملاحظة والرياضيات مهمة للوصول إلى معرفة جديدة، وأخيرا استهدام تلك النظريات للحصول على قوى جديدة.
يؤكد هراري أن الثورة العلمية لم تكن ثورة معرفة بل كانت قبل كل شيء ثورة جهل، من خلال اكتشاف أن البشر لا يعرفون الأجوبة على أسئلتهم الأهم.
أكد التراث المعرفي ما قبل العصر الحديث أن كل شيء يهمنا معرفته كان معروفا، واكتسب البشر العاديون المعرفة من التبحر في النصوص والمرويات القديمة لبعض الديانات مثلا،
ولم يكن ممكنا أن تغفل الكتب المقدسة أو الفيدا سرا عن الكون، سر ربما اكتشفه مخلوق من لحم ودم.
واعترف التراث المعرفي القديم بنوعين من الجهل، أولا جهل الفرد بشيء ذي أهمية، لذلك عليه أن يسأل شخصا أحكم منه، ثانيا قد يكون التراث المعرفي جاهلا بأشياء غير مهمة .
يضيف هراري أنه في كل عصر جادل أشخاص بأن هناك أشياء مهمة كان التراث الكلي جاهلا بها، ومع ذلك، يقول الكاتب، كان هؤلاء مهمشين أو مضطهدين، أو أنهم أسسوا تراثا جديدا.
يخلص هراري إلى القول أن علم العصر الحديث يشكل تراثا فريدا من المعرفة، بقدر ما يعترف صراحة بالجهل الجماعي.
يضيف أن نظريات علمية معارضة نوقشت انطلاقا من مستجدات الأدلة الجديدة الدائمة الظهور، وفي حالة عارضت النظرية فإنه يجب مراجعتها أو التخلص منها(نظرية الصفائح التكتونية ونظرية التطور).
لكل ذلك، اعتبر الاعتراف بالجهل العلم الحديث أكثر ديناميكية ومرونة من أي تراث معرفي سابق، فهو وسع قدرتنا على فهم كيف يعمل العالم وقدرة البشر على ابتكار تقنيات جديدة.