الإثنين, مارس 10, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيالعاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري(8)‎

العاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري(8)‎


أمينة المستاري

قانون حمورابي وحقوق الإنسان…أسطورة؟

يشير هراري إلى أن أولى المستوطنات ظهرت في حوالي 8500 ق.م، وكانت تتألف من قرى صغيرة كأريحا، التي لم يتجاوز عدد سكانها بضع مئات، ثم توسعت لاحقًا لتشمل بلدات مثل جاتل هويوك في الأناضول، بعدد سكان بلغ حوالي 10 آلاف بحلول عام 7000 ق.م.

ومع حلول الألفية الرابعة والخامسة ق.م، بدأت تظهر مدن أكبر تضم عشرات الآلاف، حتى شهد عام 3100 ق.م قيام أول مملكة مصرية، حيث حكم الفراعنة آلاف الناس، وامتدت سلطتهم لآلاف الكيلومترات،

مشكلين جيوشًا ضخمة فرضت سيطرتها على ملايين الأفراد. فيما بعد نشأت إمبراطوريات كالبابلية والآشورية والفارسية، التي فرضت الضرائب لتمويل الجيوش وبناء الطرق والمسارح.

يؤكد هراري أن هذا التعاون لم يكن طوعيًا في الغالب، ولم يحقق المساواة، إذ كانت معظم شبكات التعاون مبنية على الاستغلال والظلم،

حيث كان جابي الضرائب يستولي على محصول الفلاح بجرة قلم، بينما بنيت المسارح بسواعد العبيد، وكانت السجون ومعسكرات الاعتقال أشكالًا أخرى من “التعاون”… ويصفها هراري بكونها “أنظمة متخيلة” تستمد شرعيتها من أساطير مشتركة.

يتساءل هراري في كتابه عن كيفية نجاح الأساطير في الحفاظ على استقرار الإمبراطوريات، مستشهدًا بقانون حمورابي، فكان بمثابة دليل لتنظيم المجتمع البابلي، المقسم إلى طبقات وفئات اجتماعية.

ورأى حمورابي أن قبول هذه القواعد والتعاون ضمنها يضمن إنتاجًا اقتصاديًا مستدامًا وحماية للمجتمع من الأعداء.

أما المثال الثاني الذي يقدمه هراري، فهو إعلان الاستقلال الأمريكي، الذي صدر عام 1776 عندما اجتمع ممثلو 13 مستعمرة بريطانية في فيلادلفيا وأعلنوا استقلالهم عن التاج البريطاني.

وعلى غرار قانون حمورابي، استند الإعلان إلى مبادئ مقدسة تدعو إلى العدالة والمساواة، لكنه قدم تصورًا مختلفًا عن الطبيعة البشرية، حيث أكد أن جميع البشر خلقوا متساوين، على عكس الاعتقاد البابلي الذي قسم المجتمع إلى طبقات.

لكن هراري يرى أن كلا الوثيقتين تحملان تناقضًا جوهريًا، فبينما ادعى حمورابي أن الناس غير متساوين بطبيعتهم، أصر إعلان الاستقلال الأمريكي على أنهم متساوون، ويعتقد كل طرف أنه على حق.

ومع ذلك، يضيف هراري أن كلا “الموقفين مجرد أوهام من نسج الخيال البشري، إذ لا يوجد في الواقع الموضوعي ما يسمى بعدالة أبدية، فهذه المفاهيم لا توجد إلا في أذهان البشر وأساطيرهم.”

ويمضي المؤلف في تحليل مفهوم المساواة بالقول أن فكرة المساواة تعود إلى المعتقدات الدينية المسيحية، التي تؤكد أن لكل فرد روحًا متساوية أمام الله، غير أن التطور الطبيعي يقوم على التنوع والاختلاف، وليس على المساواة

ويضيف في تحليله أن البيولوجيا لا تعترف بالحقوق، بل فقط بالسمات والقدرات، التي يمكن أن تتغير أو حتى تختفي مع مرور الزمن.

يتساءل الكاتب عن الخصائص التي تطورت في البشر، فيجيب قائلا: “الحياة”، أما الحرية فلا توجد في علم البيولوجيا، لأنها شيء اخترعه الناس ولا يوجد إلا في خيالهم

أما السعادة فقد فشلت علوم البيولوجيا في إيجاد طريقة لقياسها بموضوعية، لأنها تقر فقط بوجود المتعة لذلك تترجم جملة ” الحياة، الحرية، والسعي إلى السعادة”  إلى “الحياة والسعي وراء المتعة”… بهذه الترجمة يجب أن يغير السطر من إعلان الاستقلال الأمريكي بمصطلحات بيولوجية، يقول هراري.

لا يختلف هراري مع المدافعين عن المساواة وحقوق الإنسان، الذين سيردون بالقول :” الناس غير متساوون أحيائيا، لكنهم يؤمنون أنهم متساوون في الجوهر وهو ما يمكن من خلق مجتمع مستقر ومزدهر” لأنه “نظاما متخيلا” يمكن البشر من التعاون بفعالية.

يستطرد هراري بالقول بأن العديدين سينتابهم القلق، لأنه لا يمكن تقبل فكرة أن قانون حمورابي وحقوق الإنسان أسطورة،  فسيهدد ذلك المجتمع بالانهيار، وهي مخاوف اعتبرها الكاتب “مبررة جدا”

لكنه في المقابل يقر أن النظام المتخيل أيضا مهدد بالانهيار في أي وقت، لأنه يعتمد على الأساطير التي تتوقف بمجرد توقف الناس عن الإيمان بها.

ومن أجل حماية هذا النظام قد يتم استعمال العنف والإكراه للعمل وفقه( في المحاكم والسجون..) فقانون حمورابي  ينص على:

” إذا أعمى بابلي قديم جاره”…ينفذ قانون “العين بالعين”، فيما تطلب اقتناع الأمريكيين بأن العبيد الأفارقة هم بشر حربا أهلية لإرضاخ الولايات الجنوبية.

لكن مع ذلك يجب أن يرافق الحفاظ على النظام المتخيل بالعنف، الإيمان به، يقول هراري، لكن إذا كان يتم الحفاظ عليه بقوة عسكرية فما الذي سيحافظ على النظام العسكري؟

وهل يمكن تنظيم جيش بالإكراه؟ فيجب إذن على بعض القادة والجنود أن يؤمنوا بشيء ما سواء المال، الوطن، الشرف، الرجولة، الرب…أما بالنسبة للنخبة التي تتواجد على قمة الهرم الاجتماعي، فمن الشائع أن السبب في فرضها النظام المتخيل الجشع التراتبي وليس الإيمان به.

يؤكد المؤلف أن إيمان شريحة كبيرة بالنظام المتخيل بصدق كفيل بالحفاظ عليه، وأن المسيحية استمرت 2000 سنة لكون الأساقفة والكهنة لم يتوقفوا عن الإيمان بالمسيح

وكذا بالنسبة للديموقراطية الأمريكية التي دامت 250 سنة بفضل إيمان الرؤساء وأعضاء الكونغرس بحقوق الإنسان، ولم يكن النظام الاقتصادي أن يدوم لو توقفت أغلبية المستثمرين عن الإيمان بالرأسمالية.

يخلص الكاتب إلى طريق إقناع الناس بالنظام المتخيل، مثلا بالتأكيد على أنه حقيقة موضوعية أوجدتها الألهة أو القوانين الطبيعية، وبون الناس غير متساوين لأن مردوخ إنليل حكموا به أو أن الناس متساوون لأن الرب خلقهم بهذه الطريقة

وأن الأسواق الحرة أفضل نظام اقتصادي لأنها هي قوانين الطبيعة الثابتة، ويجب تثقيف الناس بشكل شامل، بكون النظام المتخيل متجسد في كل شكل.

The post العاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري(8)‎ appeared first on الجريدة 24.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات