أمينة المستاري
ولادة الأديان التوحيدية
بمرور الوقت، آمن أتباع الديانات المتعددة الآلهة بالإله الوحيد وبكونه القوة العليا للكون، وآمنوا بإمكانية عقد صفقات معه، وهكذا ولدت الأديان التوحيدية، يقول هراري، وظهر أول جين توحيدي
يقول هراري، في مصر سنة 350ق.م بإعلان الفرعون أخناتون أن الإله آتون، القوة العليا التي تحكم الكون، واتخذه كدين للدولة وحاول القضاء على باقي الآلهة لكن بعد وفاته تم التخلي عن عبادة آتون لصالح الآلهة القديمة.
ورغم استمرار عبادة الآلهة، إلا أنها بقيت هامشية لفشلها في تبني رسالتها العالمية الخاصة، لم تقدم اليهودية إلا القليل ولم تكن ديانة تبشيرية واعتبرت مرحلتها “التوحيد المحلي”
وجاء الاختراق الكبير مع المسيحية، فقد بدأ بالإيمان كطائفة يهويدية باطنية سعت لإقناع اليهود أن يسوع الناصري هو المسيح الذي طال انتظاره، وأدرك أحد قادة الطائفة “بولس الطرسوسي” أنه إذا كان الرب قد تجسد ومات على الصليب من أجل خلاص البشرية فيجب أن يسمع هذا كل العالم وليس فقط اليهود لذلك يجب نشر الإنجيل في العالم.
وبدأ المسيحيون تنظيم أنشطة تبشيرية استهدفت جميع البشر، واستولت هذه الطائفة على الإمبراطورية الرومانية.
ثم ظهر دين توحيدي آخر في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي: الإسلام. بدأ بطائفة صغيرة لكن بمفاجأة تاريخية أغرب وأسرع تمكن من الخروج والسيطرة على امبراطورية هائلة تمتد من المحيط إلى الهند.
حاول التوحيديون مرارا وتكرارا تقوية أنفسهم عن طريق محو أية منافسة. فحوالي سنة 500م كانت الإمبراطورية الرومانية مسيحية، وانهمك المبشرون في نشر المسيحية ببلدان أوربا وآسيا والهيمالايا…
ومع القرن 16 سيطر التوحيد على معظم القارة الأفروآسيوية، باستثناء شرق آسيا والأجزاء الجنوبية من إفريقيا. فوسع مخالبه ليجتاح هذه المناطق، والآن يلتزم الناس بدين توحيدي أ آخر والنظام السياسي مبني على أسس توحيدية.
يشير هراري إلى أنه كان صعبا على معظم الناس هضم فكرة التوحيد الكامل، واستمروا في تقسيم العالم إلى “نحن” و”هم”، وكانوا يرون السلطة العليا بعيدة وغريبة عن احتياجاتهم الدنيوية.
وطردت الأديان التوحيدية الآلهة من الباب الأمامي لتدخلها من النافذة الجانبية، فظهر مجمع آلهة خاص بها، من القديسين، وكان لكل مملكة قديس شفيع يحميها، فقد كانوا هم الآلهة نفسها متنكرة .
معركة الخير والشر
تولد عن الديانات التعددية أديان توحيدية، وولدت أديانا ثنوية، هذه الأخيرة تبنت وجود قوتين اثنتين متعارضتين: الخير والشر.
يضيف يوفال نوح هراري أن الأديان الثنوية تؤمن بأن الشر قوة مستقلة لا تخلقها قوة الخير وليست تابعة لها. وتعتبر أن الكون عبارة عن ساحة معركة بين القوتين.
فالثنوية وجهة نظر جذابة للعالم لأنها تقدم إجابة قصيرة لمشكلة الشر التي اعتبرت من اهتمامات الفكر البشري، وتطرح أسئلة حول لماذا يحدث الشر والأمور السيئة لأناس طيبين؟؟
من التفسيرات المعروفة، يقول هراري، أنه في حالة لم يكن هناك شر فالبشر لا يستطيع الاختيار بين الشر والخير ولن تكون هناك إرادة حرة للاختيار. وتثير هذه الإجابة تساؤلات جديدة
فاختيار الشر الذي يجلب عقابا إلهيا، يتساءل هراري إذا كان الرب يعلم أن شخصا سيقوم بالشر فلماذا خلقه أصلا؟ كتب اللاهوتيون كتبا يجيبون فيها عن هذا السؤال، ورغم ذلك فالأديان التوحيدية تجد صعوبة في التعامل مع مشكلة الشر.
وجهة النظر الثنوية لها عيوبها الخاصة، حسب هراري، فهي تثير مشكلة النظام، أما الأديان التوحيدية فهي جيدة في شرح هذه المشكلة.
لقد ازدهرت الديانات الثنوية لأزيد من 1000 سنة، وظهر نبي يدعى “زرادشت” في آسيا الوسطى، وتعتقد الديانة الزرادشتية أن هناك معركة كونية بين إله الخير مزدا وإله الشر أنجرا ماينيو،
وأصبح الدين الرسمي للامبراطورية الفارسية والساسانية، وألهم ديانات كالغنوصية والمانوية في الصين …لكن الأديان التوحيدية امتصت المعتقدات الثنوية، وإن كان عدد من المسيحيين والمسلمين واليهود يؤمنون بقدرة القوة الشريرة. لكن ذلك مستحيل
يقول هراري، فإما أن تؤمن بإله واحد أو بقوتين متعارضتين…واعتبر مفهوم الثنوي أن هناك معركة بين النفس الخيرة والجسم الشرير.
يخلص المؤلف إلى القول أن التوحيد هو مطياف من الإرث التوحيدي والثنوي والتعددي والأرواحي…مخلوطة تحت مظلة إلهية واحدة…
فالمسيحي النموذجي مثلا يؤمن بإله واحد وأيضا بالشيطان الثنوي…ويسبغ علماء الدين على هذا اسم التوفيقية.
قانون الطبيعة
يعتبر هراري أن جميع الأديان تشترك في سمة واحدة تركز على الاعتقاد بآلهة وغيرها من الكيانات الخارقة للطبيعة.
والتاريخ الديني للعالم لا يختزل في تاريخ الآلهة، فقد ظهرت أديان خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، كالبوذية والكونفشيوسية والأبيقورية…
أديان القانون الطبيعي القديمة والتي ترى أن النظام فوق البشري نتاج قوانين طبيعية، لكنها لم تتخلص أبدا من عبادة الآلهة، ومع تطور الطوائف البوذية بدأت في عبادة الكائنات المستنيرة وطلب المساعدة منها..
The post العاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري(18) appeared first on الجريدة 24.