الأحد, مارس 16, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيالعاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري “‎ 13”

العاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري “‎ 13”


 أمينة المستاري

التاريخ والمال…كيف شكلت التناقضات والثروة حضارة البشر؟

يتناول الفصل الثالث “الثورة المعرفية” التي وقعت منذ حوالي 70,000 عام، حيث مثلت تحولًا جذريًا في تاريخ البشرية. يوضح يوفال هراري كيف اكتسب الإنسان قدرات معرفية متقدمة، مثل التفكير المجرد والتواصل المعقد، مما منحه القدرة على التأثير في بيئته بطرق غير مسبوقة.

لقد ساهمت عدة عوامل في توحيد البشر ضمن إمبراطوريات ودول كبرى، أبرزها المال، والأنظمة الإمبراطورية، والأديان. فالمال، باعتباره عملة عالمية، أوجد وحدة اقتصادية تخطت الحواجز الثقافية والجغرافية،

بينما لعبت الإمبراطوريات دورًا في نشر الثقافات وتوحيد الشعوب ضمن كيانات سياسية كبرى. أما الأديان التوحيدية، مثل المسيحية والإسلام، فقد عززت المبادئ المشتركة وشجعت التعاون بين الأفراد والمجتمعات.

يشير هراري إلى أن التفاعل بين الحضارات من خلال التجارة والإمبراطوريات والديانات أدى إلى ترابط أعمق بين البشر، مما ساهم في دمج الثقافات وتشكيل عالمنا الحديث. ومع توسع الإمبراطوريات وانتشار الديانات، ظهرت أفكار وعادات مشتركة ساهمت في توحيد المجتمعات.

دور الثقافة في التغيير

يصف هراري الثقافة بأنها شبكة من الغرائز المصطنعة التي تسمح للغرباء بالتعاون. فالأساطير والأفكار المتخيلة توجه الأفراد نحو أنماط تفكير وسلوك محددة.

ورغم الاعتقاد السائد بأن الثقافات تظل ثابتة إن لم تتعرض لعوامل خارجية، فإن معظم الباحثين يرون أنها في تغير مستمر، سواء بفعل تفاعلها مع ثقافات أخرى أو من خلال دينامياتها الداخلية.

التناقضات الداخلية داخل كل ثقافة تعد المحرك الرئيسي للتغيير. فقد نتج عن التناقض بين القيم المسيحية والفروسية ظهور فرسان الهيكل وأدب العصور الوسطى، في حين أدى التناقض بين الحرية والمساواة إلى صراعات مستمرة في النظم السياسية الحديثة.

فعلى سبيل المثال، يدعو الديمقراطيون في الولايات المتحدة إلى تحقيق المساواة من خلال فرض ضرائب أعلى، مما يحد من حرية الأفراد في التصرف بأموالهم، بينما يفضل الجمهوريون الحرية الفردية حتى لو أدى ذلك إلى زيادة الفجوة الاقتصادية.

الوحدة العالمية والتفاعل الثقافي

يؤكد هراري أن الثقافات البشرية في تغير مستمر، حيث تندمج المجتمعات الصغيرة في حضارات أكبر وأكثر تعقيدًا.

ويشبه المؤرخ هذا التطور بمراقبة الأرض من قمر تجسس يرى التاريخ عبر آلاف السنين بدلًا من التركيز على أحداث فردية قصيرة المدى.

في الماضي، كانت الأرض تتكون من عوالم بشرية منعزلة، مثل جزيرة تسمانيا التي ظل سكانها منفصلين تمامًا عن بقية العالم حتى وصول الأوروبيين في القرن التاسع عشر.

لكن مع مرور الزمن، اندمجت هذه العوالم تدريجيًا ضمن نظام عالمي موحد، حيث لعبت الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية دورًا في تشكيل هوية عالمية مشتركة.

يرى هراري أن العالم اليوم يتمتع بثقافة موحدة لكنها غير متجانسة، حيث تتفاعل أنماط الحياة المختلفة وتؤثر في بعضها البعض باستمرار.

ولم تعد هناك ثقافة “أصلية” خالصة، فقد تأثرت جميع الثقافات بالتفاعل العالمي عبر القرون. حتى الأطعمة الشهيرة، مثل طبق السباغيتي، تحمل مكونات من عدة مناطق مختلفة حول العالم.

نحو رؤية عالمية موحدة

بدأت أولى مراحل الوحدة العالمية مع ظهور الإمبراطوريات وازدهار التجارة، ثم تعمقت الفكرة مع ترسيخ مفهوم النظام العالمي. في البداية، كان البشر يصنفون الآخرين بين “نحن” و”هم”، لكن بمرور الوقت، أصبحوا أكثر استعدادًا للتعاون مع الغرباء، رغم استمرار وجود الانقسامات.

ويصنف المؤلف الأنظمة العالمية إلى ثلاثة أنظمة رئيسية:

النظام الاقتصادي (النقدي): حيث وحد المال البشر رغم اختلاف معتقداتهم.

النظام السياسي (الإمبراطوري): الذي سعى إلى توحيد الشعوب تحت حكم مركزي.

النظام الديني: الذي نشرت من خلاله الديانات العالمية مثل البوذية والمسيحية والإسلام رؤى موحدة للبشرية.

كان التجار، والغزاة، والأنبياء أول من كسر الحواجز بين الشعوب، وسعوا إلى إنشاء أنظمة يمكن أن تشمل الجميع.

ومع مرور الزمن، أصبح المال العنصر الأكثر تأثيرًا في التوحيد العالمي، حيث يتعامل البشر به بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية أو السياسية، مما يعكس مدى قوة هذا النظام في ربط العالم معًا.

رائحة المال

كانت المكسيك هدفًا للأطماع الإسبانية خلال الغزو الذي قاده إيرنان كورتيز. لاحظ السكان الأصليون، الأزتيك، أن الغزاة يولون اهتمامًا كبيرًا بالذهب، الذي كان يُستخدم لديهم في صناعة المجوهرات والتماثيل،

وحتى كغبار ثمين في عمليات التبادل التجاري. في المقابل، كان الأزتيك يعتمدون على المقايضة باستخدام حبوب الكاكاو ولفائف القماش كوسائل للتجارة.

في العالم الأفروآسيوي، انتشر الهوس بالذهب حتى أصبح أشبه بالوباء. وعلى الرغم من الحروب الدينية التي شنها المسيحيون ضد المسلمين في إيبيريا وشمال إفريقيا، والتي انتهت بتدمير المساجد وبناء الكنائس، إلا أن الذهب ظل عاملًا مشتركًا يوحّد المتصارعين.

أصدر المنتصرون عملات ذهبية وفضية جديدة تحمل علامة الصليب، لكنهم في الوقت ذاته سكّوا نوعًا آخر من العملات المربعة، المعروفة بـ”ميلارز”، والتي حملت نقشًا باللغة العربية يقول:

“لا إله إلا الله، محمد رسول الله”. والمفارقة أن هذه العملات لم تكن تستخدم فقط بين المسلمين، بل تداولها أيضًا الأساقفة الكاثوليك والمسيحيون المتدينون.

من جهة أخرى، كان التجار المسلمون في شمال إفريقيا يستخدمون العملات المسيحية في معاملاتهم التجارية

بينما كان الحكام يرحبون بتحصيل الضرائب بعملات معدنية تحمل رموزًا دينية مسيحية، متجاوزين الخلافات العقائدية أمام سطوة المال وأهميته الاقتصادية.

 

The post العاقل…تاريخ مختصر للجنس البشري “‎ 13” appeared first on الجريدة 24.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات